أنّه أخذ من زان الثّلاثي ، وبني للمفعول ، فأعلّ بما قد عرفته في أول البقرة (١).
واللام من قوله (لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) متعلّقة ب «زيّن» ، وكذلك اللّام في قوله : «ليردوهم».
فإن قيل : كيف تعلّق حرفي جر بلفظ واحد وبمعنى واحد بعامل واحد ، من غير بدليّة ولا عطف؟
فالجواب : أن معناهما مختلف ؛ فإن الأولى للتّعدية والثّانية للعلّيّة.
قال الزمخشري : «إن كان التّزيين من الشّياطين ، فهي على حقيقة التّعليل ، وإن كان من السّدنة ، فهي للصّيرورة» يعني : أن الشّيطان يفعل التّزيين وغرضه بذلك الإرداء ، فالتعليل فيه واضح ، وأمّا السّدنة فإنهم لم يزيّنوا لهم ذلك ، وغرضهم إهلاكهم ، ولكن لما كان مآل حالهم إلى الإرداء ، أتى باللّام الدّالّة على العاقبة والمآل.
فصل في بيان ما كان عليه أهل الجاهلية
كان أهل الجاهليّة (٢) يدفنون بناتهم أحياء خوفا من الفقر والتّزويج ، واختلفوا في المراد بالشّركاء.
فقال مجاهد : شركاؤهم شياطينهم أمروهم بأن يقتلوا أولادهم خشية الغيلة ، وسمّيت الشّياطين شركاء ؛ لأنهم اتخذوها شركاء لقوله ـ تبارك وتعالى ـ : (أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) من دون الله [الأنعام : ٢٢].
وقال الكلبيّ : الشركاء سدنة آلهتهم وخدّامهم ، وهم الّذين كانوا يزيّنون للكفّار قتل أولادهم ، وكان الرّجل يقوم في الجاهليّة فيحلف بالله إن ولد له كذا غلاما لينحرنّ أحدهم ، كما حلف عبد المطلّب على ابنه عبد الله ، وسمّيت السّدنة شركاء كما سمّيت الشّياطين شركاء (٣) في قول مجاهد ، وقوله «ليردوهم» الإرداء في لغة (٤) القرآن الإهلاك (إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) [الصافات : ٥٦].
قال ابن عبّاس : «ليردوهم في النّار» (٥) واللّام ههنا لام العاقبة ؛ كقوله : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨].
(وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) أي : يخلطوا عليهم دينهم.
قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : ليدخلوا عليهم الشّك في دينهم ، وكانوا على دين إسماعيل فرجعوا عنه بلبس الشّياطين.
قوله : «وليلبسوا» عطف على «ليردوا» علل التّزيين بشيئين :
__________________
(١) الآية : ١١.
(٢) ينظر : الرازي ١٣ / ١٦٩.
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٨٩) وعزاه لعبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٤) ينظر : الرازي ١٣ / ١٦٩.
(٥) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٣ / ١٦٩) عن ابن عباس.