أحدها ـ وهو مذهب سيبويه (١) ـ : أنه مفعول من أجله ، أي : قالوا ما تقدّم لأجل الافتراء على الباري ـ تبارك وتعالى ـ أي : يزعمون أن الله أمرهم به افتراء عليه.
الثاني : مصدر على غير الصّدر ؛ لأن قولهم المحكي عنهم افتراء ، فهو نظير «قعد القرفصاء» وهو قول الزّجّاج (٢).
الثالث : أنه مصدر عامله من لفظه مقدّر ، أي : افتروا ذلك افتراء.
الرابع : أنه مصدر في موضع الحال ، أي : قالوا ذلك حال افترائهم ، وهي تشبه الحال المؤكّدة ؛ لأن هذا القول المخصوص لا يكون قائله إلّا مفتريا.
وقوله «على الله» يجوز تعلّقه ب «افتراء» على القول الأوّل والرّابع ، وعلى الثاني والثّالث ب «قالوا» لا ب «افتراء» ؛ لأن المصدر المؤكد لا يعمل ، ويجوز أن يتعلّق بمحذوف صفة ل «افتراء» وهذا جائز على كل الأقوال.
قوله : (سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ) والمقصود منه الوعيد ، و «الباء» في قوله : «بما» سببيّة ، و «ما» مصدريّة ، أو موصوفة ، أو بمعنى الّذي.
قوله تعالى : (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)(١٣٩)
هذا نوع رابع من قضاياهم الفاسدة.
قال ابن عبّاس ، وقتادة والشعبي : أراد أجنّة البحائر والسّوائب ، فما ولد منها حيّا ، فهو خالص للرّجال دون النّساء ، وما ولد منها ميّتا ، أكله الرّجال والنّساء جميعا (٣).
والجمهور (٤) على «خالصة» بالتّأنيث مرفوعا على أنه خبر «ما» الموصولة ، والتّأنيث : إمّا حملا على المعنى ؛ لأن الذي في بطون الأنعام أنعام ، ثم حمل على لفظها في قوله : «ومحرّم» ، وإمّا لأنّ التّأنيث للمبالغة كهو في «علّامة» و «نسّابة» و «راوية» و «الخاصّة» و «العامّة» ، وإما لأنّ «خالصة» مصدر على وزن «فاعلة» كالعاقبة والعافية ؛ وقال ـ تبارك وتعالى ـ : (بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) [ص : ٤٦] وهذا
__________________
(١) ينظر : الكتاب ١ / ١٦٤.
(٢) ينظر : معاني القرآن ٢ / ٣٢٣.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٥٧) عن ابن عباس ومجاهد والسدي.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٩١) عن ابن عباس وعزاه لابن مردويه وأبي الشيخ وابن أبي حاتم.
وذكره أيضا (٣ / ٩٠) عن مجاهد بمعناه وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٤) المحرر الوجيز ٢ / ٣٥١ ، الدر المصون ٣ / ١٩٦ ، والبحر المحيط ٤ / ٢٣٤.