فصل في الكلام على الآية
قال بعضهم (١) : هذا كلام مبتدأ لا تعلّق له بما قبله ، فيه تصريح بكمال إلهيته سبحانه تعالى بقوله : (قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ) ثم بيّن ـ تبارك وتعالى ـ أنه يرحمهم بالإمهال ، ورفع عذاب الاستئصال ، وبيّن أنّه يجمعهم إلى يوم القيامة.
فقوله : (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) ، أي : يمهلهم.
وقوله : (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) أنّه لا يمهلهم بل يحشرهم ويحاسبهم بكلّ ما فعلوا.
وقال آخرون : إنه متعلّق [بما قبله](٢) ، والتقدير : «كتب ربّكم على نفسه الرّحمة ليجمعنّكم إلى يوم القيامة».
وقيل : إنه لمّا قال : كتب ربكم على نفسه الرحمة ، فكأنه قيل : وما تلك الرحمة؟ فقيل : إنّه تبارك وتعالى «ليجمعنكم» [إلى يوم القيامة» وذلك لأنّه لو لا خوف العذاب لحصل الهرج والمرج فصار يوم القيامة من أعظم أسباب الرحمة ، فكان قوله : (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ)](٣). كالتفسير لقوله : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)(٤).
فصل في المراد بهذه الآية
اختلفوا في المراد بهذه الرّحمة ، فقيل : إنّه ـ [تبارك وتعالى] ـ يمهلهم مدّة عمرهم ، ويدفع عنهم عذاب الاستئصال ، ولا يعاجلهم بالعقوبة [في الدنيا](٥).
وقيل : المراد (كَتَبَ عَلى) نفس (الرَّحْمَةَ) لمن ترك التّكذيب بالرّسل ، وقبل شريعتهم وتاب (٦).
فصل في الإخبار عن سعة رحمة الله
روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لمّا قضى الله الخلق كتب كتابا فهو عنده فوق العرش إنّ رحمتي غلبت (٧) غضبي» (٨).
وروى أبو الزّناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة : «إنّ رحمتي سبقت غضبي» (٩).
__________________
(١) تفسير الرازي ١٢ / ١٣٧.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) ينظر : تفسير الرازي ١٢ / ١٣٧.
(٥) سقط في أ.
(٦) الرازي ١٢ / ١٣٧.
(٧) في ب : سبقت.
(٨) متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه ، أخرجه البخاري في الصحيح ٦ / ٢٨٧ ، كتاب بدء الخلق : باب ما جاء في قول الله تعالى : هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ... [الروم : ٢٧] الحديث (٣١٩٤) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢١٠٨ كتاب التوبة : باب في سعة رحمة الله الحديث (١٦ / ٢٧٥١).
(٩) أخرجه البخاري في الصحيح ١٣ / ٥٢٢ ، كتاب التوحيد : باب قول الله تعالى : بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ... سورة البروج الآية (٢١) الحديثان (٧٥٥٣ / ٧٥٥٤) واللفظ له ، وأخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢١٠٨ ، كتاب التوبة : باب في سعة رحمة الله الحديث (١٥ / ٢٧١٥).