الظّاهر ، فأباح هذا الأكل وأخرج وجوب الحقّ فيه من أن يكون مانعا من هذا التّصرّف (١).
وقال بعضهم (٢) : بل أباح ـ تعالى ـ ذلك ليبيّن أنّ المقصد بخلق هذه النّعم الأكل ، وأما تقديم ذكر الأكل على التصدّق ؛ لأن رعاية النّفس متقدّمة على الغير ؛ قال : (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا) [القصص : ٧٧].
فصل في بيان الأصل في المنافع
تمسّك بعضهم (٣) بقوله : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ) بأن الأصل في المنافع : الإباحة ؛ لأن قوله ـ تعالى ـ : «كلوا» خطاب عامّ يتناول الكلّ ، فصار كقوله : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ) [البقرة : ٢٩] ويمكن التمسّك به على أنّ الأصل : عدم وجوب الصّدقة ؛ لأن من ادّعى إيجابه ، كان هو المحتاج إلى الدّليل ، فيتمسّك به في أنّ المجنون إذا أفاق في أثناء الشّهر ، لا يلزمه قضاء ما قضى ، وفي أنّ الشّارع في صوم النّقل لا يجب عليه الإتمام.
فصل
قال القرطبي (٤) : قوله ـ تعالى ـ : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ) هذان بناءان جاءا بصيغة أفعل. أحدهما : للإباحة ؛ كقوله : (فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) [الجمعة : ١٠]. والثاني : للوجوب ، وليس يمتنع في الشّريعة اقتران الإباحة والواجب وبدأ بذكر نعمة الأكل قبل الأمر بإيتاء الحق ؛ ليبيّن أن الابتداء بالنّعمة كان من فضله قبل التكليف.
وقال ابن الخطيب (٥) : وعلى أنّ صيغة الأمر ترد لغير الوجوب والنّدب ، وعند هذا ، قال بعضهم : الأصل في الاستعمال : الحقيقة ؛ فوجب جعل هذه الصّيغة مفيدة لرفع الحرج ؛ فلهذا قالوا : الأمر يقتضي الإباحة إلا أن نقول : يعلم بالضّرورة من لغة العرب ، أن هذه الصّيغة تفيد ترجيح جانب الفعل ، فحملها على الإباحة لا يصار إليه إلّا بدليل منفصل.
قوله : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) قرأ أبو عمر (٦) وابن عامر وعاصم بفتح الحاء : «حصاده» والباقون بكسرها ، وهما لغتان في المصدر ؛ كقولهم : جداد وجداد ، وقطاف وقطاف ، وحران وحران والصّرام والصّرام.
قال سيبويه (٧) : جاءوا بالمصدر حين أرادوا انتهاء الزّمان على مثال : «فعال» وربما
__________________
(١) ينظر : الرازي ١٣ / ١٧٤.
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) ينظر : القرطبي ٧ / ٦٥.
(٥) ينظر : الرازي ١٣ / ١٧٤.
(٦) ينظر : الحجة لأبي زرعة ٢٧٥ السبعة ٢٧١ ، النشر ٢ / ٢٦٦ اتحاف فضلاء البشر ٢ / ٣٦ إعراب القراءات ١ / ١٧٢.
(٧) ينظر : الكتاب ٢ / ٢١٧.