قال شهاب الدين (١) : الأمر كذلك وقد سمع ذلك في كلامهم نثرا ونظما : ففي النثر قولهم : «أكلت لحما سمكا تمرا» ، وفي نظمهم قول الشاعر : [الخفيف]
٢٣٦٢ ـ كيف أصبحت كيف أمسيت ممّا |
|
يزرع الودّ في فؤاد الكريم (٢) |
أي : أكلت لحما وسمكا وتمرا ، وكيف أصبحت وكيف أمسيت ، وهذا على أحد القولين في ذلك.
والقول الثاني : أنه بدل بداء ؛ ومنه الحديث : «إنّ الرّجل ليصلّي الصّلاة ، وما كتب له نصفها ثلثها ربعها» إلى أن وصل إلى العشر (٣).
الرابع : أنه منصوب بفعل محذوف مدلول عليه بما في اللّفظ ، تقديره : كلوا ثمانية أزواج ؛ وهذا أضعف مما قبله.
الخامس : أنه منصوب على الحال ، تقديره : مختلفة أو متعدّدة ، وصاحب الحال : «الأنعام» فالعامل في الحال ما تعلّق به الجارّ وهو «من».
السادس : أنه منصوب على البدل من محلّ (مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ).
فصل في بيان كلمة «زوج»
الواحد (٤) إذا كان وحده فهو فرد ، وإذا كان معه غيره من جنسه سمّي زوجا وهما زوجان ؛ قال ـ تعالى ـ : (خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) [النجم : ٤٥] وقال : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) ثم فسّرها بقوله : «من الضّأن اثنين ومن المعز اثنين ومن البقر اثنين».
قال القرطبي (٥) : والزّوج : خلاف الفرد ؛ يقال : زوج أو فرد كما يقال خسا أو ذكا ، شفع ، أو وتر ، فقوله : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) يعني ثمانية أفراد وكلّ فرد عند العرب يحتاج إلى آخر يسمّى زوجا ، يقال للذكر : زوج وللأنثى زوج ، ويقع لفظ الزّوج للواحد والاثنين ، يقال : هما زوجان وهما : زوج ؛ كما يقال : هما سيّان وهما سواء ، وتقول : اشتريت زوجي حمام وأنت تعني : ذكرا وأنثى.
قوله : (مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ) في نصب «اثنين» وجهان :
أحدهما : أنه بدل من (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) وهو ظاهر قول الزّمخشري (٦) ؛ فإنه قال : والدّليل عليه (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) ثم فسّرها بقوله : (مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ) الآية ؛ وبه صرح أبو البقاء (٧) فقال : «واثنين بدل من الثّمانية وقد عطف عليه بقيّة الثمانية».
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٠٢.
(٢) تقدم.
(٣) أخرجه أحمد (٤ / ٣٢١) وأبو داود (٧٩٦) وابن حبان (٥٢٨ ـ موارد) من حديث عمار بن ياسر.
وصححه ابن حبان.
(٤) ينظر : الرازي ١٣ / ١٧٧.
(٥) ينظر : القرطبي ٧ / ٧٥.
(٦) ينظر : الكشاف ٢ / ٧٣.
(٧) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦٣.