وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ لله مائة رحمة واحدة منها بين الجنّ والإنس والبهائم والطير والهوامّ فيها يتعاطفون وبها يتراحمون ، وبها تعطف الوحوش على أولادها وأخّر تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة» (١).
وعن عمر بن الخطّاب ـ رضي الله عنه ـ قال : «قدم على النّبيّ صلىاللهعليهوسلم صبيّ ، فإذا امرأة من السّبي قد تحلب ثديها لسقي إذ وجدت صبيا في السّبي ، فأخذته فألصقته ببطنها وأرضعته فقال لنا رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم : أترون هذه طارحة ولدها في النّار؟ قلنا : لا وهي تقدر على أن تطرحه ، فقال : لله أرحم بعباده من هذه بولدها» (٢).
قوله : (الَّذِينَ خَسِرُوا) فيه ستّة أوجه (٣) :
أحدها : أنه منصوب بإضمار «أذمّ» ، وقدّره الزّمخشري (٤) ب «أريد» ، وليس بظاهر.
الثاني : أنه مبتدأ أخبر عنه بقوله : (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ، وزيدت الفاء في خبره لما تضمّن من معنى الشّرط ، قاله الزجاج (٥) ، كأنه قيل : من يخسر نفسه فهو لا يؤمن.
الثالث : أنه مجرور على أنه نعت للمكذّبين.
الرابع : أنه بدل منهم ، وهذان الوجهان بعيدان.
الخامس : أنه منصوب على البدل من ضمير المخاطب ، [وهذا](٦) قد عرفت ما فيه غير مرّة ، وهو أنه هل يبدل من ضمير الحاضر بدل كلّ من كل في غير إحاطة ولا شمول أم لا؟
ومذهب الأخفش جوازه ، وقد تقدّم دليل الفريقين ، وردّ المبرد (٧) عليه مذهبه ، بأنّ البدل من ضمير الخطاب لا يجوز ، كما لا يجوز : «مررت بك زيد» وهذا عجيب ؛ لأنه استشهاد بمحلّ النزاع ، وهو «مررت بك زيد» ، وردّ ابن عطيّة (٨) ـ رحمهالله تعالى ـ ردّه فقال : «ما في الآية مخالف للمثال ؛ لأنّ الفائدة في البدل مترتّبة من الثاني ، فأمّا في «مررت بك زيد» فلا فائدة في الثاني.
وقوله : «ليجمعنّكم» يصلح لمخاطبة النّاس كافّة ، فيفيدنا إبدال «الّذين» من الضمير أنهم هم المختصّون بالخطاب ، وخصّوا على جهة الوعيد ، ويجيء هذا إبدال البعض من الكلّ».
__________________
(١) أخرجه البخاري في الصحيح ١٠ / ٤٣١ ، كتاب الأدب : باب جعل الله الرحمة الحديث (٦٠٠٠) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢١٠٨ ، كتاب التوبة : باب سعة رحمة الله الحديث (١٩ / ٢٧٥٢) واللفظ له.
(٢) أخرجه البخاري في الصحيح ١٠ / ٤٢٦ ـ ٤٢٧ ، كتاب الأدب باب رحمة الله الحديث (٥٩٩٩) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢١٠٩ ، كتاب التوبة : باب في سعة رحمة الله الحديث (٢٢ / ٢٧٥٤).
(٣) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٨٧ الدر المصون ٣ / ١٧ ، ١٨.
(٤) الكشاف ٢ / ٩.
(٥) ينظر : معاني القرآن له ٢ / ٢٥٥.
(٦) سقط في ب.
(٧) في ب : ورد عليه المبرد.
(٨) ينظر : المحرر الوجيز (٢ / ٢٧٢).