وثانيها : حكمهم بالبحيرة والسّائبة والوصيلة والحام مخصوص بالإبل ، فالله ـ تبارك وتعالى ـ بيّن أن النّعم عبارة عن هذه الأنواع الأربعة فلما لم يحكموا بهذه الأحكام في الأقسام الثلاثة ، وهي : الضّأن والمعز ، والبقر ، فكيف خصصتم الإبل بهذا الحكم دون الغير ، فهذا ما عندي في هذه الآية(١).
ثم قال : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا).
أي : هل شاهدتم الله حرم هذا ، إن كنتم لا تؤمنون برسول ، وحاصل الكلام من هذه الآية : أنّكم لا تقرّون بنبوّة أحد من الأنبياء ، وكيف تثبتون هذه الأحكام المختلفة.
ولما بيّن ذلك قال : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ).
قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : يريد عمرو بن لحيّ ؛ لأنه هو الّذي غير شريعة إسماعيل ـ عليه الصّلاة والسلام (٢) ـ.
قال ابن الخطيب (٣) : «والأقرب أن يكون هذا محمولا على كلّ من فعل ذلك ؛ لأنّ اللّفظ عامّ ، والعلّة الموجبة لهذا الحكم عامّة ، فالتخصيص تحكّم محض».
فصل في دحض شبهة للمعتزلة
قال القاضي : دلّت الآية على أنّ الإضلال عن الدّين مذموم ، وذلك لا يليق بالله ـ تبارك وتعالى ـ ؛ لأنه إذا ذمّ الإضلال الّذي ليس فيه إلّا تحريم المباح ، فالّذي هو أعظم منه أولى بالذم.
وأجيب : بأنه ليس كل ما كان مذموما منا كان مذموما من الله ـ تعالى ـ ؛ ألا ترى أن الجمع بين العبيد والإماء ، وتسليط الشّهوة عليهم ، وتمكينهم من أسباب الفجور مذموم منّا ، وليس مذموما من الله فكذا ههنا.
قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
قال القاضي (٤) : «لا يهديهم إلى ثوابه».
وقال أهل السّنّة (٥) : «المراد لا يهدي أولئك المشركين ، أي : لا ينقلهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان» ، وتقدّم الكلام الثاني.
قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥) وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي
__________________
(١) ينظر : الرازي ١٣ / ١٧٨.
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) ينظر : الرازي ٣ / ٢٧٨.
(٥) ينظر : المصدر السابق.