قال شهاب الدين (١) : هذه قراءة ابن عامر ، نسبها لأبي جعفر يزيد بن القعقاع المدني شيخ نافع ؛ وهو محتمل ، وقوله : «كان يلزمه» إلى آخره هو معنى ما ضعّف به أبو البقاء هذه القراءة ، وتقدّم جواب ذلك ، واتّفق أنّ ابن عامر يقرأ : وإن تكن ميتة بالتّأنيث والرّفع وهنا كذلك.
وقرأ ابن كثير وحمزة : «تكون» بالتّأنيث ، «ميتة» بالنّصب على أن اسم «تكون» مضمر عائد على مؤنّث أي : إلا أن يكون المأكول أو النّفس أو الجثّة ميتة ، ويجوز أن يعود الضّمير من «تكون» على «محرّما» ، وإنّما أنّث الفعل لتأنيث الخبر ؛ كقوله : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ) [الأنعام : ٢٣] ، بنصب «فتنتهم» وتأنيث «تكن».
وقرأ الباقون : «يكون» بالتّذكير ، «ميتة» نصبا ، واسم «يكون» يعود على قوله : «محرّما» أي : إلّا أن يكون ذلك المحرّم ، وقدّره أبو البقاء (٢) ومكّي (٣) وغيرهما : «إلّا أن يكون المأكول» ، أو «ذلك ميتة».
قوله : (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) «دما» على قراءة العامّة : معطوف على خبر «يكون» وهو «ميتة» ، وعلى قراءة ابن عامر وأبي جعفر : معطوف على المستثنى ، وهو (أَنْ يَكُونَ) وقد تقدّم تحرير ذلك.
و «مسفوحا» صفة ل «دما» ، والسّفح : الصبّ ، وقيل : «السّيلان» ، وهو قريب من الأول ، و «سفح» يستعمل قاصرا ومتعدّيا ؛ يقال : سفح زيد دمعه ودمه ، أي : أهراقه ، وسفح هو ، إلّا أن الفرق بينهما وقع باختلاف المصدر ، ففي المتعدّي يقال : سفح ، وفي اللّازم يقال : سفوح ، ومن التّعدّي قوله تعالى : (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) ؛ فإن اسم المفعول التّامّ لا يبنى إلا من متعدّ ، ومن اللّزوم ما أنشده أبو عبيدة لكثيّر عزّة : [الطويل]
٢٣٦٩ ـ أقول ودمعي واكف عند رسمها |
|
عليك سلام الله والدّمع يسفح (٤) |
فصل فيما كان محرما بمكة
قال القرطبي (٥) : «هذه الآية الكريمة مكّيّة ، ولم يكن في الشّريعة في ذلك الوقت محرّم غير هذه الأشياء ، ثم نزلت سورة «المائدة» ب «المدينة» وزيد في المحرّمات ؛ كالمنخنقة ، والموقوذة والمتردّية ، والنّطيحة ، والخمر ، وغير ذلك ، وحرّم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالمدينة أكل كلّ ذي ناب من السّباع ، ومخلب من الطّير».
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٠٤.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦٣.
(٣) ينظر : المشكل ١ / ٢٩٦.
(٤) ينظر : ديوانه ٤٦٣ ، تفسير الفخر الرازي ١٣ / ٢٢٢ ، الدر المصون ٣ / ٢٠٥.
(٥) ينظر : القرطبي ٧ / ٧٦.