والرّسالة (فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) فلذلك لا يعجّل عليكم بالعقوبة ، ثم أخبرهم بما أعدّ لهم من العذاب في الآخرة ، (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ) أي عذابه إذا جاء الوقت.
وقوله : (ذُو رَحْمَةٍ) جيء بهذه الجملة اسميّة ، وبقوله (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ) فعليّة [تنبيها على مبالغة سعة الرّحمة ؛ لأن الاسميّة أدلّ على الثّبوت والتّوكيد من الفعلية.
قوله : (عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) يحتمل أن يكون من وضع الظّاهر موضع المضمر](١). تنبيها على التّسجيل عليهم بذلك ، والأصل : ولا يرد بأسه عنكم.
وقال أبو البقاء (٢) : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ) شرط ، جوابه : (فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) ، والتقدير : «فقل يصفح عنكم بتأخير العقوبة» وهذا تفسير معنى لا إعراب.
قوله تعالى : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (١٤٨) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ)(١٤٩)
لما حكى عن أهل الجاهليّة إقدامهم على الحكم في دين الله بغير دليل ـ حكى عذرهم في كلّ ما يقدمون عليه من الكفريّات ، فيقولون : لو شاء الله منّا ألا نكفر ، لمنعنا عن هذا الكفر ، وحيث لم يمنعنا عنه ، ثبت أنه مريد لذلك ، وإذا أراده منّا ، امتنع منّا تركه ، فكنّا معذورين فيه.
واعلم أن المعتزلة استدلّوا بهذه الآية على مذهبهم من سبعة أوجه (٣) :
أحدها : أنه ـ تعالى ـ حكى عن الكفّار صريح قول المجبرة ، وهو قولهم : «لو شاء الله منّا ألّا نشرك ، لم نشرك» ، وإنّما حكاه عنهم في معرض الذّمّ والقبح ، فوجب كون هذا المذهب مذموما باطلا.
وثانيها : أنه ـ تبارك وتعالى ـ قال بعده : «كذّب» وفيه قراءتان : التّخفيف والتثقيل.
أما قراءة التخفيف : فهي تصريح بأنّهم قد كذبوا في ذلك القول ، وذلك يدلّ على أن قول المجبّرة في هذه المسألة كذب.
وأمّا قراءة التّشديد : فلا يمكن حملها على أن القوم استوجبوا الذّمّ بسبب أنّهم كذّبوا هذا المذهب ؛ لأنا لو حملنا الآية عليه ، لكان هذا المعنى ضدّا للمعنى الذي يدلّ عليه قراءة «كذب» بالتّخفيف ، فتصير إحدى القراءتين ضدّ الأخرى ، وإذا بطل ذلك ، وجب حمله على أن المراد منه : على أن كلّ من كذّب نبيّا من الأنبياء في الزّمان
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦٤.
(٣) ينظر : الرازي ١٣ / ١٨٥.