شكله ، ولطافة خلقته ، ويمدح الياقوت لصفائه وصقالته.
وأمّا الحمد فلا يحصل إلّا للفاعل المختار على ما يصدر عنه من الإنعام ، وإنّما كون الحمد أعم من الشّكر ؛ فلأنّ الحمد عبارة عن تعظيم الفاعل لأجل ما صدر عنه من الإنعام ، سواء كان ذلك الإنعام واصلا إليك أو إلى غيرك.
وأمّا الشّكر فهو عبارة عن تعظيمه لأجل إنعام وصل إليك ، وإذا عرف ذلك ، فإنّما لم يقل : المدح لله تبارك وتعالى لأنّا بيّنّا أنّ المدح كما يحصل للفاعل المختار ، فقد يحصل لغيره.
وأمّا الحمد فلا يحصل إلّا للفاعل المختار ، وإنّما لم يقل : «الشّكر لله» لما بيّنّا أنّ الشّكر عبارة عن تعظيم بسبب إنعام صدر منه ، فيكون المطلوب الأصلي ، وقبول النعمة إليه ، وهذه درجة حقيرة.
وقوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) يدلّ على أنّ العبد حمده لأجل كونه مستحقا للحمد ، لا لخصوص كونه ـ تعالى ـ أوصل النّعمة إليه فيكون الإخلاص.
فصل في بيان لفظ الحمد
قوله : «الحمد» لفظ مفرد محلّى بالألف واللام ، فيفيد أنّ هذه الماهية لله ، وذلك يمنع من ثبوت الحمد لغير الله ، وهذا يقتضي أنّ جميع أقسام الحمد والثناء والتعظيم ليس إلّا لله تبارك وتعالى ، فإن قيل : إنّ شكر المنعم (١) واجب مثل شكر الأستاذ على
__________________
(١) لما بطل الحسن والقبح العقلي ، لزم منه امتناع وجوب شكر المنعم عقلا ، وامتناع حكم عقلي ، وهما قبل ورود الشرع مبنيان على ذلك ، غير أن عادة الأصوليين جارية بفرض الكلام في هاتين المسألتين ، إظهارا لما يختصّ بكل واحدة من الإشكال والمناقضة ، أو إظهارا لسقوط كلام المعتزلة في هاتين المسألتين بعد تسليم الحسد والقبح العقليين على ما هو مذكور في الكتب المشهورة.
واعلم أن الشكر عند الخصوم ليس عبارة عن قول القائل : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) أو «الشكر لله» ، وأمثالهما على ما يسبق إلى الأوهام ؛ فإن العقل لا يوجب النطق بلفظ دون آخر ، ولا على معرفة الله تعالى على ما يظنّ ؛ لأن الشكر هو فرع المعرفة ، بل هو عبارة عن صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه من السمع ، والبصر ، وسائر الجوارح ، وكذا التمكن والاقتدار على الكسب والمال إلى ما خلق لأجله ، وأعطاه لأجله ، كصرفه النظر إلى مصنوعاته ، والسمع إلى تلقي الإنذارات ، والذهن إلى فهم معانيها ، والمال إلى أسباب البقاء مدة العمر ، وعلى هذا القياس : فهذا معنى الشكر حيث جاء في كتابه الكريم ، ولهذا وصف الشاكرين بالقلة والمنعم المشكور هو الله المنعم ، والواجب ما يذم تاركه.
ومحل الخلاف : أن أصحابنا أهل السنة يذهبون إلى أن وجوب هذا الشكر مأخوذ من الأنبياء ، بناء على وجوب متابعتهم بعد ثبوت نبوتهم ، ولا يقوم عليه برهان عقلي ، والمعتزلة يذهبون إلى أن عليه برهانا عقليا ؛ حتى إن النبي صلىاللهعليهوسلم لو نبهنا على هذه المسألة ، وهدانا إلى مقدماتها قبل الاعتراف بنبوته ، أو تنبهنا لها لحكم العقل بوجوبه بناء على البرهان العقلي.
ينظر : البحر المحيط للزركشي ١ / ١٤٩ ، البرهان لإمام الحرمين ١ / ٩٤ ، سلاسل الذهب للزركشي ـ