«ها» فبقى «هلمم» ، فنقلت حركة الميم إلى اللّام وأدغمت.
وذهب بعضهم إلى أنّها مركّبة من «ها» التي للتّنبيه أيضا ، ومن «لمّ» أمرا من «لمّ الله شعثه» أي : جمعه ، والمعنى عليه في هلمّ ؛ لأنه بمعنى : اجمع نفسك إلينا ، فحذفت ألف «ها» لكثرة الاستعمال ، وهذا سهل جدا ؛ إذ ليس فيه إلا عمل واحد ، هو حذف ألف «ها» ؛ وهو مذهب الخليل وسيبويه (١).
وذهب الفرّاء إلى أنها مركّبة من «هل» التي هي للزّجر ، ومن «أمّ» أمرا من «الأمّ» وهو القصد ، وليس فيه إلا عمل واحد ؛ وهو نقل حركة الهمزة إلى لام «هل» وقد ردّ كل واحد من هذه المذاهب بما يطول الكتاب بذكره من غير فائدة.
و «هلم» : تكون متعدّية بمعنى أحضر ، ولازمة بمعنى أقبل ، فمن جعلها متعدّية ، أخذها من اللّمّ وهو الجمع ، ومن جعلها قاصرة ، أخذها من اللّمم وهو الدّنو والقرب.
فصل في المقصود بإقامة الشهداء
اعلم أنه ـ تبارك وتعالى ـ نبه باستدعاء إقامة الشّهداء من الكافرين ؛ ليظهر أن لا شاهد لهم على تحريم ما حرّموه.
وقوله : (فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) تنبيها على كونهم كاذبين ، ثم بين ـ تعالى ـ أنّه إن وقعت منهم تلك الشّهادة ، فعن اتّباع الهوى ، فأنت لا تتّبع أهواءهم ، ثم زاد في تقبيح ذلك بأنهم لا يؤمنون بالآخرة ، وكانوا ممّن ينكرون البعث والنّشور ، ثم زاد في تقبيح ذلك بأنهم يعدلون بربّهم ، ويجعلون له شركاء ـ سبحانه وتعالى عما يقولون علوّا كبيرا ـ.
قوله تعالى : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(١٥١)
لما بيّن ـ تبارك وتعالى ـ فساد قول الكفّار : «إنّ الله حرّم علينا كذا وكذا» أردفه ببيان الأشياء التي حرّمها عليهم.
قال الزّمخشري (٢) : «تعال» من الخاصّ الذي صار عامّا ، وأصله أن يقوله من كان في مكان عال لمن هو أسفل منه ، ثم كثر وعمّ.
قال القرطبي (٣) : «وقوله تعالى : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ) أي : تقدّموا واقرءوا حقّا يقينا ؛ كما أوحى إليّ ربّي ، لا ظنّا ولا كذبا كما زعمتم ، ثم بيّن بعد ذلك فقال : (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ
__________________
(١) ينظر : الكتاب ٢ / ١٥٨.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٧٨.
(٣) ينظر : القرطبي ٧ / ٨٥ ـ ٨٦.