وامتثال أمرهما ، وإزالة الرّقّ عنهما ، و «إحسانا» نصب على المصدر ، وناصبه فعل مضمر من لفظه ، تقديره : وأحسنوا بالوالدين إحسانا.
قوله : (مِنْ إِمْلاقٍ) «من» سببيّة متعلّقة بالفعل المنهيّ عنه ، أي : «لا تقتلوا أولادكم لأجل الإملاق».
والإملاق : الفقر في قول ابن عبّاس.
وقيل : الجوع بلغة «لخم» ، نقله مؤرج.
وقيل : الإسراف ، أملق أي : أسرف في نفقته ، قاله محمد بن نعيم اليزيدي (١).
وقيل : الإنفاق ، أملق ماله أي : أنفقه ، قاله المنذر بن سعيد ، والإملاق : الإفساد أيضا ، قاله [شمر](٢) ، قال : «وأملق يكون قاصرا ومتعدّيا ، أملق الرّجل : إذا افتقر فهذا قاصر ، وأملق ما عنده الدّهر ، أي : أفسده». وأنشد النّضر بن شميل على ذلك قول أوس بن حجر : [الطويل]
٢٣٨١ ـ ولمّا رأيت العدم قيّد نائلي |
|
وأملق ما عندي خطوب تنبّل (٣) |
أي : تذهب بالمال ، «تنبّلت بما عندي» : أي ذهبت به ، معنى الآية الكريمة : لا تقتلوا أولادكم خشية العيلة.
وفي هذه الآية الكريمة قال : (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) فقدّم المخاطبين ، وفي «الإسراء» : قدّم ضمير الأولاد عليهم ، فقال : (نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) فقيل : للتّفنّن في البلاغة.
وأحسن منه أن يقال : الظّاهر من قوله : (مِنْ إِمْلاقٍ) حصول الإملاق للوالد لا توقّعه وخشيته ، فبدىء أوّلا بالعدة برزق الآباء ؛ بشارة لهم بزوال ما هم فيه من الإملاق.
وأمّا في آية «سبحان» [الإسراء : ١] فظاهرها أنهم موسرون وإنما يخشون حصول الفقر ؛ ولذلك قال : خشية إملاق ، وإنما يخشى الأمور المتوقّعة ، [فبدأ فيها بضمان رزقهم ، فلا معنى لقتلكم إيّاهم ، فهذه الآية تفيد النّهي](٤) للآباء عن قتل الأولاد ، وإن كانوا متلبّسين بالفقر ، والأخرى عن قتلهم وإن كانوا موسرين ، ولكن يخافون وقوع الفقر ، وإفادة معنى جديد أولى من ادّعاء كون الآيتين بمعنى واحد للتّأكيد.
فصل في حكم العزل
قال القرطبي (٥) : استدل بعضهم بهذه الآية الكريمة على منع العزل ؛ لأن قتل الأولاد رفع للموجود ، والعزل منع لأصل النّسل فتشابها ، إلا أن قتل النّفس أعظم وزرا ، وأقبح فعلا ، ولذلك قال بعض العلماء : إنه يفهم من قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «لا عليكم في
__________________
(١) في أ : الترمذي.
(٢) في ب : شهر.
(٣) ينظر : ديوانه ٩٤ ، الدر المصون ٣ / ٢١٦.
(٤) سقط في أ.
(٥) ينظر : القرطبي ٧ / ٨٧.