وقوله «فيفيدنا إبدال الضمير إلى آخره» هذا هو المخصّص فلا يجيء تناقض ألبتّة ، وهذا مقرر في «أصول الفقه».
السادس : أنه مرفوع على الذّمّ ، قاله الزّمخشري (١) ، وعبارته فيه وفي الوجه الأول :
«نصب على الذم أو رفع ، أي : أريد الذين خسروا أنفسهم ، أو أنتم الذين خسروا أنفسهم» انتهى.
قال شهاب الدين (٢) ـ رحمهالله تعالى ـ : «إنما قدّر المبتد «أنتم» ليرتبط مع قوله : «ليجمعنّكم» ، وقوله : (خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) من مراعاة الموصول ، ولو قال : «أنتم الّذين خسروا أنفسكم» مراعاة للخطاب لجاز ، تقول : أنت الذي قعد ، وإن شئت : قعدت».
فإن قيل : ظاهر اللّفظ يدلّ على أنّ خسرانهم سبب لعدم إيمانهم ، والأمر على العكس؟
فالجواب : أنّ هذا يدلّ على أن سبق القضاء بالخسران والخذلان هو الذي حملهم على الامتناع من الإيمان ، وهو مذهب أهل السّنّة (٣).
قوله تعالى : (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(١٣)
قوله : (وَلَهُ ما سَكَنَ) : جملة من مبتدأ وخبر ، وفيها قولان :
أظهرهما : أنها استئناف إخبار بذلك.
والثاني : أنها في محلّ نصب نسقا على قوله : «لله» ، أي : على الجملة المحكيّة ب «قل» أي : قل : هو لله ، وقل : له ما سكن.
و «ما» موصولة بمعنى «الذي» ، ولا يجوز غير ذلك.
و «سكن» قيل : معناه ثبت واستقرّ ، ولم يذكر الزمخشري غيره (٤).
كقولهم : فلان يسكن بلدة كذا ، ومنه قوله تبارك وتعالى (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) [إبراهيم : ٤٥].
وقيل : هو من «سكن» مقابل «تحرّك» ، فعلى الأوّل لا حذف في الآية الكريمة.
قال الزمخشري (٥) : وتعدّيه ب «في» كما في قوله : (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) [إبراهيم : ٤٥] ، ورجّح هذا التفسير (٦) ابن عطية (٧).
وعلى الثّاني اختلفوا ، فمنهم من قال : لا بدّ من محذوف لفهم المعنى ، وقدّر ذلك
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٩.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٨.
(٣) الرازي ١٢ / ١٣٨.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٩.
(٥) ينظر : الكشاف ٢ / ٩.
(٦) في ب : التقدير.
(٧) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٧٢.