قال القرطبي (١) : وتارك الصّلاة ، ومانع الزّكاة ، وقد قتل الصّدّيق مانع الزّكاة ، وقال ـ تعالى ـ : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) [التوبة : ٥].
قوله : (وَلا تَقْتُلُوا) هذه شبيهة بذكر الخاصّ بعد العامّ اعتناء بشأنه ؛ لأن الفواحش يندرج فيها قتل النّفس ، فجرّد منها هذا استفظاعا له وتهويلا ؛ ولأنّه قد استثنى منه في قوله : (إِلَّا بِالْحَقِّ) ولو لم يذكر هذا الخاصّ ، لم يصحّ الاستثناء من عموم الفواحش ، لو قيل في غير القرآن العظيم : «لا تقربوا الفواحش إلا بالحقّ» لم يكن شيئا.
قوله : (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ) في محلّه قولان :
أحدهما : أنه مبتدأ ، والخبر الجملة الفعليّة بعده.
والثاني : أنه في محلّ نصب بفعل مقدّر من معنى الفعل المتأخر عنه ، وتكون المسألة من باب الاشتغال ، والتقدير : ألزمكم أو كلّفكم ذلك ، ويكون (وَصَّاكُمْ بِهِ) مفسّرا لهذا العامل المقدّر ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) [الإنسان : ٣١] ، وناسب قوله هنا : (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) لأن العقل مناط التّكليف والوصيّة بهذه الأشياء المذكورة.
قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(١٥٢)
هذا استثناء مفرّغ أي : لا تقربوه إلا بالخصلة الحسنى ، فيجوز أن يكون حالا ، وأن يكون نعت مصدر ، وأتى بصيغة التّفضيل ؛ تنبيها على أنّه يتحرّى في ذلك ، ويفعل الأحسن ولا يكتفي بالحسن.
قوله : (حَتَّى يَبْلُغَ) هذه غاية من حيث المعنى ، فإن المعنى : احفظوا ماله حتى يبلغ أشدّه ، [ولو جعلناه غاية للّفظ ، كان التقدير : لا تقربوه حتى يبلغ](٢) فاقربوه ، وليس ذلك مرادا.
__________________
(وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) بالقصر ولوقوع الألف ثالثة قلبت ياء.
والنسبة إليه زنويّ.
وبالمدّ لغة أهل نجد ، وبني تميم ، وأنشد : (البسيط
أمّا الزّناء فإنّي لست قاربه |
|
والمال بيني وبين الخمر نصفان |
وقال الفرزدق : [الطويل]
أبا حاضر من يزن يعرف زناؤه |
|
ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرا |
والنسبة إليه زنائيّ ، وزنّاه نسبه إلى الزنا وهو ابن زنية بالفتح ، والكسر أي ابن زنا ومعناه في كل ما تقدم الفجور.
وأما زنى الموضع زنوّا فمعناه ضاق ، ووعاء زنيّ أي ضيّق. والاسم منه الزّناء بفتح الزاي.
(١) ينظر : القرطبي ٧ / ٨٧.
(٢) سقط في ب.