جميع الكتب ، من عمل بهنّ ، دخل الجنّة ، ومن تركهنّ ، دخل النار (١).
قوله : «فتفرّق» منصوب بإضمار «أن» بعد الفاء في جواب النّهي ، والجمهور (٢) على «فتفرّق» بتاء خفيفة ، والبزّيّ بتشديدها (٣) ، فمن خفّف ، حذف إحدى التّاءين ، ومن شدّد أدغم ؛ وتقدم هذا في (تَتَذَكَّرُونَ) [الأنعام : ٨٠].
و «بكم» : يجوز أن يكون مفعولا به في المعنى ، أي : فيفرّقكم ، ويجوز أن تكون حالا ، أي : وأنتم معها ؛ كقوله القائل في ذلك : [الوافر]
٢٣٨٥ ـ .......... |
|
تدوس بنا الجماجم والتّريبا (٤) |
وختم هذه الآية بالتّقوى وهي اتّقاء النّار ؛ لمناسبة الأمر باتّباع الصّراط ، فإن من اتّبعه وقى نفسه من النّار.
فصل في فضل هذه الآية
قال القرطبي (٥) في هذه الآية الكريمة : «وهذه آية عظيمة عطفها على ما تقدّم ، فإنه لمّا نهى وأمر حذّر هنا عن اتّباع غير سبيله ، فأمر فيها باتّباع طريقه».
«مستقيما» : نصب على الحال ، ومعناه : مستويا قائما لا اعوجاج فيه ، وقد بيّنه على لسان نبيّه صلىاللهعليهوسلم ، ونشأت منه طرق ، فمن سلك الجادّة نجا ، ومن خرج إلى تلك الطّرق أفضت به إلى النّار. قال ـ تعالى ـ : (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) أي : تميل.
روى ابن مسعود ـ رضي الله عنهما ـ قال : «خطّ لنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوما خطّا ، ثم قال : هذا سبيل الله ، ثم خط خطوطا عن يمينه وشماله ، ثم قال : هذه سبل ، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها ، ثم قرأ هذه الآية الكريمة» (٦).
وأخرجه ابن ماجه في سننه عن جابر بن عبد الله قال : كنا عند النبي صلىاللهعليهوسلم فخط خطّا وخط خطين عن يمينه وخط خطين عن يساره ثم وضع يده في الخط الأوسط فقال : هذا سبيل الله ـ ثم تلا هذه الآية ـ (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)(٧).
وهذه السّبل هي اليهوديّة ، والنّصرانية ، والمجوسيّة ، وسائر أهل الملل والبدع والضّلالات ، من أهل الأهواء والشّذوذ في الفروع ، وغير ذلك من أهل التّعمّق في الجدل
__________________
(١) ذكره الرازي في تفسيره ١٤ / ٤ عن ابن عباس.
(٢) ينظر : الحجة لأبي زرعة ٢٧٨ السبعة (٢٧٤) الحجة لابن خالويه (١٥٢) النشر (٢ / ٢٦٦) التبيان ١ / ٥٥٢ معاني الفراء ١ / ٣٦٦.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٥٤ ، الدر المصون ٣ / ٢١٩.
(٤) تقدم.
(٥) ينظر : القرطبي ٧ / ٨٩.
(٦) تقدم.
(٧) أخرجه ابن ماجة (١ / ١٠) المقدمة حديث (١١) من حديث جابر.