المحذوف معطوفا ، فقال : تقديره : وله ما سكن وما تحرك ، كقوله في موضع آخر : (تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١] أي : والبرد وحذف المعطوف فاش في كلامهم ، وأنشد القائل في ذلك :
٢١١٦ ـ كأنّ الحصى من خلفها وأمامها |
|
إذا نجلته رجلها خذف أعسرا (١) |
وقال الآخر : [الطويل]
٢١١٧ ـ فما كان بين الخير لو جاء سالما |
|
أبو حجر إلّا ليال قلائل (٢) |
يريد : رجلها ويدها ، وبين الخير وبيني.
ومنهم من قال : لا حذف ؛ لأنّ كلّ متحرك قد يسكن.
وقيل : لأنّ المتحرّك أقلّ ، والساكن أكثر ، فلذلك أوثر بالذّكر.
وقيل : إنما خصّ السّكون بالذّكر ؛ لأن النعمة فيه أكثر.
فصل في نظم الآية
قال أبو مسلم : وجه نظم الآية الكريمة أنه ـ تبارك وتعالى ـ ذكر في الآية الأولى : السّموات والأرض ؛ إذ لا مكان سواهما ، وفي هذه الآية الكريمة ذكر الليل والنّهار ، إذ لا زمان سواهما ، فالزّمان والمكان ظرفان للمحدثات ، فأخبر ـ تبارك وتعالى ـ أنه مالك للمكان والمكانيّات ، ومالك للزّمان والزّمانيّات (٣).
قال محمد بن جرير (٤) : كلّ ما طلعت عليه الشّمس وغربت ، فهو من مساكن الليل والنّهار ، والمراد جميع ما في الأرض.
وقيل : معناه له ما يمرّ عليه الليل والنّهار ، وهو السميع لأصواتهم ، العليم بأسرارهم.
قوله تعالى : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٤)
قوله : «أغير الله» مفعول أوّل ل «أتّخذ» و «وليا» مفعول ثان ، وإنما قدّم المفعول الأوّل على فعله لمعنى ، وهو إنكار أن يتّخذ غير الله وليّا لا اتّخاذ الوليّ ، ونحوه قولك لمن يهين زيدا وهو مستحقّ للإكرام : «أزيدا أهنت»؟! أنكرت أن يكون مثله مهانا.
وقد تقدّم هذا موضحا في قوله : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ) [المائدة : ١١٦] ، ومثله : (أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا) [الأنعام : ١٦٤] ، (أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ) [الزمر : ٦٤] (آللهُ أَذِنَ
__________________
(١) تقدم.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر : الرازي ١٢ / ١٣٨.
(٤) تفسير الطبري (٥ / ١٥٨).