قوله تعالى : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٥٥) أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (١٥٦) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ)(١٥٧)
قوله تعالى : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ) الآية.
يجوز أن يكون «كتاب» ، و «أنزلناه» ، و «مبارك» إخبارا عن اسم الإشارة ، عند من يجيز تعدّد الخبر مطلقا ، أو بالتّأويل عند من لم يجوّز ذلك ، ويجوز أن يكون «أنزلناه» ، و «مبارك» : وصفين ل «كتاب» عند من يجيز تقديم الوصف غير الصّريح على الوصف الصّريح ، وقد تقدم تحقيق ذلك في السّورة قبلها ، في قوله ـ سبحانه ـ : (بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) [المائدة : ٥٤].
قال أبو البقاء (١) : «ولو كان قرىء : «مباركا» بالنّصب على الحال ، لجاز» ولا حاجة إلى مثل هذا ، وقدّم الوصف بالإنزال ؛ لأن الكلام مع منكري أنّ الله ينزّل على البشر كتابا ، ويرسل رسولا ، وأما وصف البركة ؛ فهو أمر متراخ عنهم ، وجيء بصفة الإنزال بجملة فعليّة أسند الفعل فيها إلى ضمير المعظّم نفسه مبالغة في ذلك ، بخلاف ما لو جيء بها اسما مفردا.
والمراد بالكتاب : القرآن ، ووصفه بالبركة ، أي : لا يتطرّق إليه النّسخ ، كما في الكتابين ، والمراد : كثير الخير والنّفع.
(فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
قيل : «اتّقوا مخالفته على رجاء الرّحمة».
وقيل : «اتّقوا لترحموا ، أي : ليكون الغرض بالتّقوى ، رحمة الله ـ تعالى ـ.
قوله : (أَنْ تَقُولُوا) فيه وجهان :
أحدهما : أنه مفعول من أجله.
قال أبو حيّان (٢) : «والعامل فيه «أنزلناه» مقدّرا ، مدلولا عليه بنفس «أنزلناه» الملفوظ به ، تقديره : أنزلناه أن تقولوا».
قال : «ولا جائز أن يعمل فيه «أنزلناه» الملفوظ به ؛ لئلا يلزم الفصل بين العامل ومعموله بأجنبيّ ، وذلك أنّ «مبارك» : إمّا صفة ، وإما خبر ، وهو أجنبيّ بكل من التقديرين». وهذا الذي منعه هو ظاهر قول الكسائي ، والفرّاء (٣).
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦٦.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٥٧.
(٣) ينظر : معاني القرآن ١ / ٣٦٦.