حالا ، أي : كذّب ومعه آيات الله ، و «صدف» مفعوله محذوف ، أي : «وصدف عنها غيره» وقد تقدّم تفسير ذلك [الأنعام : ١٥٧]. والمراد : تعظيم كفر من كذّب بآيات الله (وَصَدَفَ عَنْها) أي منع ؛ لأنّ الأوّل ضلال ، والثاني منع عن الحقّ وإضلال.
ثم قال ـ تعالى ـ : (سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ) وهو كقوله تعالى : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ) [النحل : ٨٨].
قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ)(١٥٨)
لمّا بيّن أنّه إنّما أنزل الكتاب إزالة للعذر ، وإزاحة للعلّة ؛ بيّن أنّهم لا يؤمنون ألبتّة ، وشرح أحوالا توجب اليأس عن دخولهم في الإيمان ، فقال ـ سبحانه وتعالى ـ : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) أي : بالعذاب ، أو عند الموت لقبض أرواحهم ، ونظير هذه الآية في سورة البقرة : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) [البقرة : ٢١٠].
و «هل» استفهام ، معناه : النّفي ، ومعنى «ينظرون» : ينتظرون ، والتقدير : أنّهم لا يؤمنون بك ، إلّا إذا جاءهم أحد هذه الأمور الثلاثة.
قوله : (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) : تقدّم أنه على حذف مضاف.
وقرأ (١) الأخوان : «إلا أن يأتيهم الملائكة» بياء منقوطة من تحت ؛ لأن التأنيث مجازيّ ، وهو نظير : (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ) [آل عمران : ٣٩].
وقرأ أبو العالية ، وابن سيرين : «يوم تأتي بعض» بالتأنيث ؛ كقوله تعالى : تلتقطه [يوسف : ١٠].
فإن قيل : (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) هل يدلّ على جواز المجيء والغيبة على الله ـ تعالى ـ.
فالجواب من وجوه :
الأول : أن هذا حكاية عن الكفّار ، واعتقاد الكافر ليس بحجّة.
والثاني : أنّ هذا مجاز ، ونظيره قوله ـ تعالى ـ : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) [النحل : ٢٦].
والثالث : قيام الدّلائل القاطعة على أنّ المجيء والغيبة على الله محال ، وأقربها قول إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ في الردّ على عبدة الكواكب : (لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) [الأنعام : ٧٦].
__________________
(١) ينظر : السبعة ٢٧٤ ، النشر ٢ / ٢٦٦ إتحاف ٢ / ٣٩ الكشف ١ / ٤٥٨ الحجة لأبي زرعة ٢٧٧ ، الدر المصون ٣ / ٢٢٣.