المفعول والفاعل في العامل ، فعلى هذا يجوز : «ضرب هندا غلامها القرشيّة» ، وقوله (أَوْ كَسَبَتْ) عطف على (لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ).
وفي هذه الآية بحوث حسنة تتعلّق بعلم العربيّة وعليها تبنى مسائل من «أصول الدّين» ، وذلك أنّ المعتزليّ يقول : «مجرّد الإيمان الصّحيح لا يكفي ، بل لا بدّ من انضمام عمل يقترن به ويصدّقه» ، واستدلّ بظاهر هذه الآية ، وذلك كما قال الزّمخشريّ : (لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) : صفة لقوله «نفسا» وقوله : (أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) عطفت على «آمنت» والمعنى : أنّ أشراط السّاعة إذا جاءت وهي آيات ملجئة مضطرّة ، ذهب أوان التّكليف عندها ؛ فلم ينفع الإيمان حينئذ نفسا غير مقدّمة إيمانها قبل ظهور الآيات ، أو مقدّمة إيمانها غير كاسبة خيرا في إيمانها ؛ فلم يفرّق كما ترى بين النّفس الكافرة إذا آمنت في غير وقت الإيمان ، وبين النّفس التي آمنت في وقته ولم تكسب خيرا ، ليعلم أن قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) جمع بين قرينتين ، لا ينبغي أن تنفكّ إحداهما عن الأخرى حتى يفوز صاحبها ويسعد ، وإلّا فالشقوة والهلاك.
وقد أجاب بعض النّاس هذا الظّاهر : بأن المعنى بالآية الكريمة : أنّه إذا أتى بعض الآيات ، لا ينفع نفسا كافرة إيمانها الّذي أوقعته إذ ذلك ، ولا ينفع نفسا سبق إيمانها وما كسبت فيه خيرا ، فقد علّق نفي نفع الإيمان بأحد وصفين : إمّا نفي سبق الإيمان فقط ، وإمّا سبقه مع نفي كسب الخير ، ومفهومه : أنّه ينفع الإيمان السّابق وحده أو السّابق ومعه الخير ، ومفهوم الصّفة قويّ. فيستدل بالآية لمذهب أهل السّنّة ، فقد قلبوا دليلهم دليلا عليهم.
وقد أجاب القاضي ناصر الدّين بن المنير عن قول الزّمخشري ـ رحمهالله ـ فقال : «قال أحمد : هو يروم الاستدلال على أنّ الكافر والعاصي في الخلود سواء ، حيث سوّى في الآية بينهما ؛ في عدم الانتفاع بما يستدركانه بعد ظهور الآيات ولا يتم ذلك ، فإنّ هذا الكلام في البلاغة يلقّب ب «اللّفّ» وأصله : يوم يأتي بعض آيات ربّك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن مؤمنة قبل إيمانها بعد ، ولا نفسا لم تكسب خيرا قبل ما تكسبه من الخير بعد ، فلفّ الكلامين ؛ فجعلهما كلاما واحدا إيجازا وبلاغة ، ويظهر بذلك أنّها لا تخالف مذهب الحقّ فلا ينفع بعد ظهور الآيات اكتساب الخير ، وإن نفع الإيمان المتقدّم من الخلود ، فهي بالرّد على مذهبه أولى من أن تدلّ له».
الثاني : أن هذه الجملة في محلّ نصب على الحال من الضّمير المجرور ، قاله أبو البقاء (١) ، يعني : من «ها» في إيمانها.
الثالث : أن تكون مستأنفة. وبهذا بدأ أبو البقاء ، وثنّى بالحال ، وجعل الوصف
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦٦.