قال الزّمخشري (١) ـ رحمة الله عليه ـ : القيم : «فيعل» من «قام» كسيّد من ساد ، وهو أبلغ من القائم.
وأمّا قراءة أهل الكوفة فقال الزّجّاج (٢) ـ رحمة الله عليه ـ : هو مصدر بمعنى : القيام ، كالصّغر والكبر والجوع والشبع ، والتّأويل : دينا ذا قيم ، ووصف الدّين بهذا المصدر مبالغة.
قوله تعالى : «ملّة» بدلا من «دينا» أو منصوب بإضمار أعني ، و «حنيفا» قد ذكر في البقرة (٣) والنساء (٤).
والمعنى : هداني وعرّفني ملّة إبراهيم حال كونها موصوفة بالحنيفيّة. ثم وصف إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ بقوله : (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) والمقصود منه : الردّ على المشركين.
قوله تعالى : (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٢) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)(١٦٣)
لمّا عرّفه الدّين المستقيم ، عرّفه كيف يقوم به ويؤدّيه ، وهذه الآية الكريمة تدلّ على أنّه ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ مؤدّي العبادة مع الإخلاص ، وأكده بقوله ـ تبارك وتعالى ـ : (لا شَرِيكَ لَهُ) وهذا من أقوى الدّلائل على أنّ شرط صحة الصّلاة : أن يؤتى بها مقرونة بالإخلاص.
واختلفوا في المراد بالنّسك :
فقيل : المراد به : الذّبيحة بعينها ، وجمع بين الصّلاة وبين النّحر ؛ كما في قوله ـ تبارك وتعالى ـ : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر : ٢] ، فقيل : المراد بالصلاة هاهنا صلاة النّحر ، وقيل : صلاة اللّيل (٥).
وروى ثعلب عن ابن الأعرابيّ (٦) أنه قال : النّسك : سبائك الفضّة ، كل نسيكة منها سبيكة ، وقيل للمتعبّد : ناسك ، لأنه خلّص نفسه من دنائس الآثام وصفّاها ، كالسّبيكة المخلّصة من الخبث ، وعلى هذا التّأويل فالنّسك : كل ما يتقرّب به إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ ، إلّا أن الغالب عليه في العرف : الذّبح.
قوله : (وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ).
قرأ نافع (٧) : «ومحياي» بسكون ياء المتكلّم ، وفيها الجمع بين ساكنين.
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٨٣.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ١٤ / ١٠.
(٣) الآية : ١٣٥.
(٤) الآية : ١٢٥.
(٥) ينظر : الفخر الرازي ١٤ / ١٠.
(٦) ينظر : المصدر السابق.
(٧) ينظر : السبعة ٢٧٤ النشر ٢ / ٢٦٧ الحجة لأبي زرعة ٢٧٩ الكشف ١ / ٤٥٩ الدر المصون ٣ / ٢٢٧.
الوسيط ٢ / ٣٤٤.