قال الفارسي : كقوله : «التقت حلقتا البطان» و «لفلان ثلثا المال» بثبوت الألفين.
وقد طعن بعض النّاس على هذه القراءة بما ذكرت من الجمع بين السّاكنين ، وتعجّبت من كون هذا القارىء يحرك ياء «مماتي» ويسكّن ياء «محياي» وقد نقل بعضهم عن نافع الرّجوع عن ذلك.
قال أبو شامة ـ رحمة الله عليه ـ : «فينبغي ألّا يحلّ نقل تسكين ياء «محياي» عنه».
وقرأ (١) نافع في رواية : «محياي» بكسر الياء ، وهي تشبه قراءة حمزة في (بِمُصْرِخِيَ) [إبراهيم : ٢٢] ، وستأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ.
وقرأ ابن أبي إسحاق (٢) ، وعيسى الجحدريّ : «ومحييّ» بإبدال «الألف» «ياء» ، وإدغامها في ياء المتكلّم ، وهي لغة هذيل ، أنشد عليها قول أبي ذؤيب : [الكامل]
٢٤٠١ ـ سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهم |
|
فتخرّموا ولكلّ جنب مصرع (٣) |
اعلم : أن المحيا والممات لله ليس بمعنى أنّهما يؤتى بهما لطاعة الله ـ عزوجل ـ ، فإن ذلك محال ، بل معنى كونهما لله أنّهما حاصلان بخلق الله ، وذلك من أدلّ الدّلائل على أنّ طاعة العبد مخلوقة منه ـ تعالى (٤) ـ.
وقال بعض المفسّرين (٥) : «محياي : بالعمل الصالح ، ومماتي : إذا متّ على الإيمان من رب العالمين».
واعلم : أنّه ـ تبارك وتعالى ـ أمر رسوله صلىاللهعليهوسلم بأن يبيّن أنّ صلاته ، وسائر عباداته ، وحياته ، ومماته كلّها واقعة بخلق الله ـ تبارك وتعالى ـ وبقدره ، وقضائه ، وحكمه.
وقال القرطبيّ (٦) ـ رحمة الله عليه ـ : قوله : «ومحياي» أي : ما أعمله في حياتي ، و «مماتي» أي : ما أوصي به بعد وفاتي (لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي : أفرده بالتّقرّب بها إليه ، ثمّ نصّ على أنّه لا شريك له في الخلق ، والتقدير ، ثم قال : (وَبِذلِكَ أُمِرْتُ) وبهذا التّوحيد أمرت ، ثم يقول : «وأنا أول المسلمين» أي : المستسلمين لقضاء الله وقدره ، ومعلوم أنّه ليس أوّلا لكلّ مسلم ؛ فوجب أن يكون المراد : كونه أوّلا لمسلمي زمانه.
فصل في استفتاح الصلاة بهذا الدعاء
قال القرطبي (٧) ـ رحمهالله ـ : ذكر الطبري ، عن الشّافعي ـ رحمهالله ـ أن في قوله
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٦٢ ، الدر المصون ٣ / ٢٢٧ ، المحرر الوجيز ٢ / ٣٦٩.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٦٢ ، الدر المصون ٣ / ٢٢٧ ، والمحرر الوجيز ٢ / ٣٦٩.
(٣) تقدم.
(٤) ينظر : الفخر الرازي ١٤ / ١١.
(٥) ينظر : المصدر السابق.
(٦) ينظر : القرطبي ٧ / ٩٩.
(٧) ينظر : القرطبي ٧ / ٩٩.