وقرأ (١) ابن أبي عبلة برفعه ، وتخريجه سهل ، وهو أنه خبر مبتدأ محذوف.
وخرّجه ابن عطية (٢) على أنه مبتدأ ، فيحتاج إلى تقدير خبر ، والدلالة عليه خفيّة بخلاف تقدير المبتدأ ، فإنه ضمير الأول ، أي : «هو فاطر». وقرىء شاذا (٣) بنصبه ، وخرّجه أبو البقاء (٤) على وجهين :
أحدهما : أنه بدل من «وليا» ، قال : «والمعنى على هذا أجعل فاطر السماوات والأرض غير الله» ، كذا قدّره ، وفيه نظر ؛ لأنه جعل المفعول الأول ، وهو «غير الله» مفعولا ثانيا ، وجعل البدل من المفعول الثاني مفعولا أوّل ، فالتقدير عكس التركيب الأصلي.
والثاني : أنه صفة ل «وليّا» قال : ويجوز أن يكون صفة ل «وليّا» والتنوين مراد.
قال شهاب الدين (٥) : يعني بقوله : «التنوين مراد» أنّ اسم الفاعل عامل تقديرا ، فهو في نيّة الانفصال ، ولذلك وقع وصفا للنكرة كقوله : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) [الأحقاف : ٢٤].
وهذا الوجه لا يكاد يصحّ ، إذ يصير المعنى : أأتّخذ غير الله وليّا فاطر السماوات إلى آخره ، فيصف ذلك الوليّ بأنه فاطر السّموات.
وقرأ الزّهري (٦) : «فطر» على أنه فعل ماض ، وهي جملة في محلّ نصب على الحال من الجلالة ، كما كان «فاطر» صفتها في قراءة الجمهور.
ويجوز على رأي أبي البقاء أن تكون صفة ل «وليّا» ، ولا يجوز أن تكون صفة للجلالة ؛ لأن الجملة نكرة.
والفطر : الشّقّ مطلقا ، وقيّده الرّاغب (٧) بالشّقّ طولا ، وقيّده الواحدي بشقّ الشيء عند ابتدائه (٨).
والفطر : إبداع وإيجاد شيء على غير مثال ، ومنه (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، أي : أوجدها على غير مثال يجتدى.
وعن ابن عبّاس (٩) : ما كنت أدري ما معنى فطر وفاطر ، حتّى اختصم إليّ أعرابيّان
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٠ ، الشواذ ص (٣٦) ، الكشاف ٢ / ٩.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٧٣.
(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٠ ، الإملاء ١ / ٢٣٦.
(٤) ينظر : الإملاء ١ / ٢٣٦.
(٥) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٠.
(٦) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٠ ، الكشاف ٢ / ٩ ، البحر المحيط ٤ / ٩٠.
(٧) ينظر : المفرادات (فطر).
(٨) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢١.
(٩) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ١٥٨) عن ابن عباس وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ١١) وزاد نسبته لأبي عبيد في فضائله وابن الأنباري في «الوقف والابتداء».