قال أبو البقاء (١) : «ولو كان معطوفا على ما قبله لفظا لقال : «وأن لا أكون» وإليه نحا الزمخشري (٢) فإنه قال : (وَلا تَكُونَنَ) : وقيل لي لا تكوننّ ، ومعناه : وأمرت بالإسلام ، ونهيت عن الشّرك».
والثاني : أنه معطوف على معمول «قل» حملا على المعنى ، والمعنى : قل إني قيل لي : كن أوّل من أسلم ، ولا تكوننّ من المشركين ، فهما جميعا محمولان على القول ، لكن أتى الأوّل بغير لفظ القول ، وفيه معناه ، فحمل الثاني على المعنى.
وقيل : هو عطف على «قل» أمر بأن يقول كذا ، ونهي عن كذا.
قوله تعالى : (قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)(١٥)
قوله : (قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) فعبدت غيره (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) أي عذاب يوم القيامة ، و «إن عصيت» شرط حذف جوابه لدلالة ما قبله عليه ، ولذلك جيء بفعل الشرط ماضيا ، وهذه الجملة الشرطية فيها وجهان :
أحدهما : أنه معترض بين الفعل ، وهو «أخاف» ، وبين مفعوله وهو «عذاب».
والثاني : أنّها في محلّ نصب على الحال.
قال أبو حيّان (٣) : كأنه قيل : «إني أخاف عاصيا ربّي» ، وفيه نظر ؛ إذ المعنى يأباه. و «أخاف» وما في حيّزه خبر ل «إنّ» وإنّ وما في حيّزها في محلّ نصب ب «قل» وقرأ ابن كثير (٤) ، ونافع «إنّي» بفتح الياء ، وقرأ أبو عمرو ، والباقون (٥) بالإرسال.
قوله تعالى : (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ)(١٦)
«من» شرطية ، ومحلّها يحتمل الرّفع والنصب ، كما سيأتي بيانه.
وقرأ الأخوان (٦) ، وأبو بكر عن عاصم : «يصرف» بفتح الياء وكسر الراء على تسمية الفاعل.
والباقون (٧) بضمّ الياء وفتح الراء على ما لم يسمّ فاعله.
فأمّا في القراءة الأولى ، ف «من» فيها تحتمل الرفع والنصب ، فالرفع من وجه واحد ، وهو الابتداء ، وخبرها فعل الشّرط أو الجواب أو هما ، على حسب الخلاف ، وفي مفعول «يصرف» حينئذ احتمالان :
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢٣٧.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ١٠.
(٣) ينظر : البحر ٤ / ٩١ والدر ٣ / ٢٢.
(٤) ينظر : اتحاف فضلاء البشر ٢ / ٦.
(٥) ينظر : اتحاف فضلاء البشر ٢ / ٧.
(٦) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٢ ، حجة القراءات ص (٢٤٣) ، الكشاف ٢ / ١٠ ، النشر ٢ / ٢٥٧ ، البحر المحيط ٤ / ٩١ ، السبعة ص (٢٥٤) ، التبيان ١ / ٤٨٤ ـ ٤٨٥ ، الزجاج ٢ / ٢٥٦ ، المشكل ٣ / ٢٤٧.
(٧) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٢ ، حجة القراءات ص (٢٤٣) ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٧ ، النشر ٢ / ٢٥٧.