أولها : قوله : (قُلْ لا أَشْهَدُ) بما تذكرونه من إثبات الشّركاء.
وثانيها : قوله : (قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) ، وكلمة «إنّما» تفيد الحصر ، ولفظ الواحد صريح في التوحيد ، ونفي الشركاء.
وثالثها : قوله تبارك وتعالى : (وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) ، وفيه تصريح بالبراءة عن إثبات الشّركاء.
قال العلماء (١) : يستحبّ لمن أسلم ابتداء أن يأتي بالشهادتين ، ويبرأ من كل دين سوى دين الإسلام.
ونصّ الشّافعي ـ رحمهالله تعالى ـ على استحباب ضمّ التّبرّي إلى الشهادة ، كقوله تبارك وتعالى : (وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) عقيب التصريح بالتوحيد (٢).
قوله تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(٢٠)
اعلم أنّ الكفّار لمّا سألوا اليهود والنّصارى عن صفة محمّد صلىاللهعليهوسلم ، فأنكروا دلالة التّوراة والإنجيل على نبوّته بيّن الله ـ تعالى ـ في الآية الأولى أنّ شهادة الله على صحّة نبوّته كافية في ثبوتها ، ثمّ بيّن في هذه الآية أنهم كذبوا في قولهم : لا نعرف محمدا ، لأنهم يعرفونه بالنّبوّة والرسالة ، كما يعرفون أبناءهم.
روي أنه لما قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم «المدينة» قال عمر لعبد الله بن سلام : أنزل الله على نبيّه هذه الآية ، فكيف هذه المعرفة؟ فقال : يا عمر لقد عرفته فيكم حين رأيته ، كما أعرف ابني ، ولأنا أشدّ معرفة بمحمد منّي بابني ؛ لأني لا أدري ما صنع النساء وأشهد أنه حقّ من الله تعالى (٣).
قوله : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) الموصول مبتدأ ، و «يعرفونه» خبره ، والضمير المنصوب يجوز عوده على الرسول عليه الصّلاة والسّلام ، وعلى القرآن لتقدّمه في قوله : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ) أو على التوحيد لدلالة قوله : (إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) ، أو على كتابهم ، أو على جميع ذلك ، وأفرد الضمير باعتبار المعنى ، كأنّه قيل : يعرفون ما ذكرنا وقصصنا.
وقد تقدّم إعراب هذه الجملة في «البقرة» (٤).
قوله : (الَّذِينَ خَسِرُوا) في محلّه أربعة أوجه :
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي ١٢ / ١٤٨.
(٢) ينظر المصدر السابق.
(٣) ذكره الرازي في «التفسير الكبير» (١٢ / ١٤٨).
(٤) ينظر : تفسير الآية رقم (١٢١).