فصل
هذه الكلمة مذكورة (١) في أوائل خمسة ، أوّلها سورة «الفاتحة» (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الفاتحة : ٢].
وثانيها : هذه السورة (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [الأنعام : ١] والأول أعمّ ؛ لأنّ العالم عبارة عن كل موجود سوى الله تعالى.
وقوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) لا يدخل فيه إلّا خلق السماوات والأرض ، والظّلمات والنور ، ولا يدخل فيه سائر الكائنات ، فكان هذا بعض الأقسام الداخلة تحت التّحميد المذكور في سورة «الفاتحة».
وثالثها : سورة الكهف : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ) [الكهف : ١].
وهذا أيضا تحميد مخصوص بنوع خاص من النعمة وهي نعمة العلم والمعرفة والهداية والقرآن ، وبالجملة النعم الحاصلة بسبب بعثة الرّسل عليهم الصلاة والسلام.
ورابعها : سورة «سبأ» : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) [الآية : ١].
وهذا أيضا تحميد على كونه مالكا لكلّ ما في السّموات والأرض ، وهو قسم من الأقسام الدّاخلة في قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).
وخامسها : سورة «فاطر» (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الآية ١].
وهو أيضا قسم من الأقسام الدّاخلة تحت قوله تبارك وتعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).
فإن قيل : ما الفرق بين الخالق وبين الفاطر والرّبّ؟ وأيضا لم قال هاهنا : «خلق السّموات والأرض» بصيغة فعل الماضي ، وقال في سورة «فاطر» : (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ) بصيغة اسم الفاعل؟.
فالجواب عن الأول ، أنّ الخلق عبارة عن التّقدير ، وهو في حقّ الله ـ تعالى ـ عبارة عن علمه النّافذ في جميع الكلّيات والجزئيات ، وأمّا كونه فاطرا فهو عبارة عن الإيجاد
__________________
ـ السؤال ، أما لو قال : الحمد لله ، فليس فيه ادعاء أن العبد أتى بالحمد والثناء ، بل ليس فيه إلّا أنه سبحانه مستحق للحمد والثناء ، سواء قدر على الإتيان بذلك الحمد أو لم يقدر عليه ، فظهر التفاوت بين هذين اللفظين من هذا الوجه.
وثالثها : أنه لو قال : أحمد الله ، كان ذلك مشعرا بأنه ذكر حمد نفسه ، ولم يذكر حمد غيره ، أما إذا قال : الحمد لله ، فقد دخل فيه حمده وحمد غيره من أول خلق العالم ، إلى آخر استقرار المكلفين في درجات الجنان ودركات النيران ، كما قال تعالى : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [يونس : ١٠] فكان هذا الكلام أفضل وأكمل. ينظر : الرازي ١٢ / ١٢٠.
(١) في أ : موجودة.