أن يقال : إنه كان باقيا في التّوراة والإنجيل ، أو كان معدوما في وقت ظهوره ، لأجل أن التّحريف قد تطرّق إليهما قبل ذلك ، والأول باطل ؛ لأنّ إخفاء مثل هذه التفاصيل التامة في كتاب وصل إلى أهل الشرق والغرب (١) ممتنع.
والثاني : أيضا باطل ؛ لأن على هذا التقدير لم يكن يهود أهل ذلك الزمان ، ونصارى ذلك الزّمان عالمين بنبوّة محمّد صلىاللهعليهوسلم علمهم بنبوّة أنبيائهم (٢) ، وحينئذ يسقط هذا الكلام.
والجواب (٣) أن يقال : المراد ب (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) اليهود والنّصارى ، وهم كانوا أهلا للنّظر والاستدلال ، وكانوا قد شاهدوا ظهور المعجزات على الرسول عليه الصّلاة والسّلام ، فعرفوا بواسطة تلك المعجزات كونه رسولا من عند الله تعالى ، والمقصود بمعرفتهم هي المعرفة من طريق النّظر ، والاستدلال من طريق النّقل.
فصل في المراد بالخسران
قال المفسرون (٤) : معنى هذا الخسران أنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ جعل لكلّ آدمي منزلا في الجنّة ومنزلا في النّار ، فإذا كان يوم القيامة جعل الله تبارك وتعالى للمؤمنين منازل أهل النار في الجنة ولأهل النار منازل أهل الجنّة في النّار وذلك هو الخسران.
قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)(٢١)
لمّا بيّن خسران المنكرين في الآية الأولى بيّن في هذه الآية الكريمة سبب ذلك الخسران وهو أمران (٥) :
أحدهما : الافتراء على الله كذبا ، وهذا الافتراء يحتمل وجوها :
أحدها : أن كفّار «مكة» المشرفة كانوا يقولون : هذه الأصنام شركاء الله ، الله أمرهم بعبادتها ، وكانوا يقولون : الملائكة بنات الله.
وثانيها : أنّ اليهود والنّصارى كانوا يقولون : حصل في التّوراة والإنجيل أن هاتين الشريعتين لا يتطرّق إليهما النّسخ والتغيير.
وثالثها : ما حكاه (٦) تعالى عنهم بقوله : (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها) [الأعراف : ٢٨].
ورابعها : قول اليهود : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة : ١٨] وقولهم : (لَنْ تَمَسَّنَا
__________________
(١) في ب : المشرق والمغرب.
(٢) في أ : أبنائهم.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١٢ / ١٤٩.
(٤) ينظر المصدر السابق.
(٥) ينظر : تفسير الرازي ١٢ / ١٤٩.
(٦) في أ : حكى.