قال أبو حيّان (١) : وكلام الزّمخشري ملفق من كلام أبي عليّ ، وأمّا «من كانت أمك» فإنه حمل اسم «كان» على معنى «من» ، فإنّ لها لفظا مفردا مذكّرا ، ولها معنى بحسب ما تريد من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث ، وليس الحمل على المعنى لمراعاة الخبر ، ألا ترى أنه يجيء حيث لا خبر ، كقوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) [يونس : ٤٢].
وقوله : [الطويل]
٢١٢٦ ـ .......... |
|
تكن مثل من يا ذئب يصطحبان (٢) |
قال شهاب الدين (٣) ـ رحمهالله تعالى ـ : ليت شعري ، ولأي معنى خصّ الزمخشري بهذا الاعتراض ، فإنه وارد على أبي عليّ أيضا؟ إذ لقائل أن يقول : التأنيث في «جاءت» للحمل على معنى «ما» وإن لها هي أيضا لفظا ومعنى مثل «من» ، على أنه يقال : للتأنيث علّتان ، فذكر [إحداهما ، ورجّح](٤) أبو عبيدة قراءة الأخوين بقراءة أبي ، وابن مسعود (٥) : «وما كان فتنتهم إلّا أن قالوا» فلم يلحق الفعل علامة تأنيث ، ورجّحها غيره بإجماعهم على نصب «حجّتهم» من قوله تبارك وتعالى : (ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) [الجاثية : ٢٥].
وقرىء شاذا «ثم لم يكن فتنتهم إلا أنه قالوا» بتذكير «يكن» ، ورفع «فتنتهم».
ووجه شذوذها سقوط علامة التأنيث ، والفاعل مؤنّث لفظا ، وإن كان غير حقيقي ، وجعل غير الأعرف اسما ، والأعرف خبرا ، فهي عكس القراءة الأولى ، من الطّرفين ، و «أن قالوا» مما يجب تأخيره لحصره سواء أجعل اسما أم خبرا.
فصل في معنى الفتنة في الآية
معنى قوله : «فتنتهم» ، أي : قولهم وجوابهم.
وقال ابن عبّاس ، وقتادة (٦) : معذرتهم ، والفتنة التّجربة ، فلمّا كان سؤالهم تجربة لإظهار ما في قلوبهم قيل : فتنة.
فصل في بيان لطيفة في الآية
قال الزّجّاج (٧) ـ رحمهالله ـ : في قولهم : (لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ) معنى لطيف ، وذلك لأنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ بيّن أنّ المشركين مفتونون بشركهم متهالكين على حبّه ، فأعلم
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١٠٠.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ٣١.
(٤) سقط في ب.
(٥) ينظر : الدر المصون ٣ / ٣٠ ، البحر المحيط ٤ / ٩٩ ، الكشاف ٢ / ١٢ ، حجة القراءات (٢٤٣).
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ١٦٦) عن ابن عباس وقتادة وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ١٤) عن ابن عباس وزاد نسبته لابن أبي حاتم.
(٧) ينظر : تفسير الرازي ١٢ / ١٥١ ، والقرطبي ٦ / ٢٥٩.