في هذه الآية الكريمة أنه لم يكن افتتانهم بشركهم ، وإقامتهم عليه إلّا أن تبرّأوا عنه وتباعدوا ، فحلفوا أنهم ما كانوا مشركين ، ومثاله أن ترى إنسانا ما يحبّ طريقة مذمومة ، فإذا وقع في فتنة بسببه تبرّأ منه ، فيقال له : «ما كانت محبتك لفلان إلّا أن فررت منه» ، فالمراد بالفتنة هنا افتتانهم بالأوثان ، ويتأكد بما روى عطاء عن ابن عباس أنه قال : (لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ) معناه : شركهم في الدنيا ، وهذا القول راجع إلى حذف المضاف ؛ لأن المعنى ثمّ لم تكن عاقبة أمرهم فتنتهم إلّا البراءة.
قوله : (وَاللهِ رَبِّنا) قرأ (١) الأخوان : «ربّنا» نصبا ، والباقون (٢) جرا.
ونصبه : إمّا على النّداء ، وإمّا على المدح ، قاله ابن عطيّة (٣) ـ رحمهالله ـ وإمّا على إضمار «أعني» ، قاله أبو البقاء (٤) ، والتقدير : يا ربنا.
وعلى كلّ تقدير فالجملة معترضة بين القسم وجوابه ، وهو قوله (ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) وخفضه من ثلاثة أوجه : النعت ، والبدل ، وعطف البيان.
وقرأ عكرمة ، وسلام (٥) بن مسكين : «والله ربّنا» برفعهما على المبتدأ والخبر.
قال ابن عطية (٦) : «وهذا على تقديم وتأخير ، كأنهم قالوا : والله ما كنّا مشركين والله ربّنا» يعني : أن ثمّ قسما مضمرا.
فصل في الكلام على الآية
ظاهر الآية الكريمة يقتضي أنهم حلفوا في القيامة أنهم ما كانوا مشركين ، وهذا يقتضي إقدامهم على الكذب يوم القيامة ، وللناس فيه قولان (٧) :
الأول ـ وهو قول أبي على الجبائي والقاضي ـ : أن أهل القيامة لا يجوز إقدامهم على الكذب واحتج عليه بوجوه :
الأول : أن أهل القيامة يعرفون الله بالاضطرار وأنهم لو عرفوه بالاستدلال لصار موقف القيامة دار تكليف ، وذلك باطل ، وإذا كانوا عارفين بالله على سبيل الاضطرار
__________________
(١) ينظر : حجة القراءات ص (٢٤٤) ، السبعة ص (٢٥٥) ، النشر ٢ / ٢٥٧ الدر المصون ٣ / ٣١ ، الكشاف ٢ / ١٢.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ٣١ ، الوسيط في تفسير القرآن المجيد ٢ / ٢٦٠ ، الحجة لأبي زرعة ص (٢٤٤) ، السبعة ص (٢٥٥) ، النشر ٢ / ٢٥٧ ، التبيان ١ / ٨٧ ، الزجاج ٢ / ٢٥٩ ، الفراء ١ / ٣٣٠ ، الأخفش ٢ / ٤٨٣ ، الحجة لابن خالويه ص (١٣٧).
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٧٨.
(٤) ينظر : الإملاء ١ / ٢٣٨.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١٠٠ ، الدر المصون ٣ / ٣١.
(٦) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٧٨.
(٧) ينظر : تفسير الرازي ١٢ / ١٥١.