وإن كان معناه مستقبلا ؛ لأنه في يوم القيامة ، فهو لتحقّقه أبرزه في صورة الماضي.
وقوله : «وضلّ» يجوز أن يكون نسقا على «كذبوا» ، فيكون داخلا في حيّز النّظر ، ويجوز أن يكون استئناف إخبار ، فلا يندرج في حيّز المنظور إليه.
قوله «ما كانوا» يجوز في «ما» أن تكون مصدرية ، أي : وضلّ عنهم افتراؤهم ، وهو قول ابن عطية ويجوز أن تكون موصولة اسمية أي : وضل عنهم الذي كانوا يفترونه ، فعلى الأول يحتاج إلى ضمير عائد على «ما» عند الجمهور ، وعلى الثاني لا بدّ من ضمير عند الجميع.
ومعنى الآية : انظر كيف كذبوا على أنفسهم باعتذارهم بالباطل وتبرّيهم عن الشرك.
و (ضَلَّ عَنْهُمْ) : زال وذهب ما كانوا يفترون من الأصنام ، وذلك أنهم كانوا يرجون شفاعتها ونصرتها ، فبطل ذلك كله.
قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ)(٢٥)
قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ).
راعى لفظ «من» فأفرد ، ولو راعى المعنى لجمع ، كقوله في موضع آخر : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ) [يونس : ٤٢].
وقوله : (عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ) إلى آخره ، حمل على معناها قوله : «وجعلنا» «جعل» هنا يحتمل أن يكون للتّصيير ، فيتعدّى لاثنين ، أوّلهما : «أكنّة» ، والثاني : الجار قبله ، فيتعلّق بمحذوف ، أي : صيّرنا الأكنّة مستقرّة على قلوبهم ، ويحتمل أن يكون بمعنى «خلق» ، فيتعدى لواحد ، ويكون الجار قبله حالا فيتعلق بمحذوف ؛ لأنه لو تأخر لوقع صفة ل «أكنّة».
ويحتمل أن يكون بمعنى «ألقى» فتتعلّق «على» بها ، كقولك : «ألقيت على زيد كذا»، (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) [طه : ٣٩].
وهذه الجملة تحتمل وجهين :
أظهرهما : أنها مستأنفة سيقت للإخبار بما تضّمنته من الختم على قلوبهم وسمعهم.
ويحتمل أن تكون في محلّ نصب على الحال ، والتقدير : ومنهم من يستمع في حال كونه مجعولا على قلبه كنان ، وفي أذنه وقر ، فعلى الأول يكون قد عطف جملة فعلية (١) على اسمية (٢) ، وعلى الثاني : تكون الواو للحال ، و «قد» مضمرة بعدها عند من يقدّرها قبل الماضي الواقع حالا.
__________________
(١) في ب : اسمية.
(٢) في ب : فعلية.