والجمهور على فتح (١) الواو من «وقرا».
وقرأ طلحة (٢) بن مصرّف بكسرها ، والفرق بين «الوقر» و «الوقر» أنّ المفتوح هو الثّقل في الأذن ، يقال منه : وقرت أذنه بفتح القاف وكسرها ، والمضارع تقر وتوقر ، بحسب الفعلين ك «تعد» و «توجل»
وحكى أبو زيد : أذن موقورة ، وهو جار على القياس ، ويكون فيه دليل على أنّ «وقر» الثلاثي يكون متعدّيا ، وسمع «أذن موقورة» والفعل على هذا «أوقرت» رباعيا ك «أكرم».
و «الوقر» ـ بالكسر ـ الحمل للحمار والبغل ونحوهما ، كالوسق للبعير.
قال تعالى : (فَالْحامِلاتِ وِقْراً) [الذاريات : ٢] فعلى هذا قراءة الجمهور واضحة ، أي : وجعلنا في آذانهم ثقلا ، أي : صمما (٣).
وأمّا قراءة طلحة ، فكأنه جعل آذانهم وقرت من الصمم كما توقر الدّابّة بالحمل ، والحاصل أنّ المادة تدلّ على الثّقل والرّزانة (٤) ، ومنه الوقار للتّؤدة والسّكينة ، وقوله تعالى : (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) فيه الفصل بين حرف العطف وما عطفه بالجار مع كون العاطف [على حرف واحد](٥) وهي مسألة خلاف تقدّم تحقيقها في قوله : (أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) [النساء : ٥٨].
والظاهر أن هذه الآية ونظائرها مثل قوله تعالى : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) [البقرة : ٢٠١] ليس مما فصل فيه بين العاطف ومعطوفه كما تقدّم.
فصل في بيان سبب نزول الآية
قال الكلبيّ عن ابن عبّاس (٦) ـ رضي الله عنهما ـ : اجتمع أبو سفيان بن حرب ، وأبو جهل بن هشام ، والوليد بن المغيرة ، والنضر بن الحارث ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأميّة وأبيّ ابنا خلف والحرث بن عامر يستمعون القرآن العظيم ، فقالوا للنضر : يا أبا قتيلة : ما يقول محمد؟ قال : ما أدري ما يقول إلّا أنه يحرّك لسانه وشفتيه ويتكلّم بأساطير الأوّلين مثل ما كنت أحدّثكم عن القرون الماضية ، وكان النّضر كثير الحديث عن القرون وأخبارها ، فقال أبو سفيان : إني لأرى بعض ما يقول حقا.
فقال أبو جهل : كلّا ، لا تقرّ بشيء من هذا ، وفي رواية : للموت أهون (٧) علينا من هذا ، فأنزل الله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) أي : إلى كلامك ، (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ
__________________
(١) الدر المصون ٣ / ٣٣.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ١٤ ، الدر المصون ٣ / ٣٣.
(٣) في ب : وقرا ، أي صمما وثقلا.
(٤) في ب : الثقل والرواية والرزانة.
(٥) سقط في أ.
(٦) ينظر : تفسير الرازي ١٢ / ١٥٣.
(٧) في ب : للموت علينا أهون.