(أَكِنَّةً)(١) أغطية جمع «كنان» ، كالأعنّة جمع «عنان» «أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا» أي : صمما وثقلا.
فصل في بيان الدلالة من الآية
احتج أهل السّنّة بهذه الآية الكريمة على أنه ـ تعالى ـ قد يصرف عن الإيمان ، ويمنع منه ؛ لأنه ـ تعالى ـ جعل القلب في الكنان الذي يمنعه عن الإيمان.
قالت المعتزلة (٢) : لا يمكن إجراء هذه الآية على ظاهرها لوجوه :
أحدها : أنه ـ تبارك وتعالى ـ إنّما أنزل القرآن العظيم ليكون حجّة للرّسل على الكفّار ، لا ليكون حجّة للكفّار على الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ولو كان المراد من هذه الآية الكريمة أنه ـ تعالى ـ منع الكفّار عن الإيمان ، لكان لهم أن يقولوا للرسول عليه الصّلاة والسّلام لما حكم بأنه منعنا من الإيمان فلم يذمّنا على ترك الإيمان ولم يدعونا إلى فعل الإيمان.
وثانيها : أنه تبارك وتعالى لو منعهم من الإيمان ، ثم دعاهم إليه لكان ذلك تكليفا للعاجز ، وهو منفيّ بصريح العقل ، وبقوله تبارك وتعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [البقرة : ٢٨٦].
وثالثها : أنه ـ تعالى ـ حكى ذلك الكلام عن الكفّار في معرض الذّمّ ، فقال تعالى : (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) [فصلت : ٥] وقال في آية أخرى : (وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) [البقرة : ٨٨].
وإذا كان قد حكى عنهم هذا المذهب في معرض الذّمّ لهم امتنع أن يكون ذكره هنا في معرض التقريع والتوبيخ ، وإلّا لزم التّناقض.
ورابعها : أنه لا نزاع في أنّ القوم كانوا يفقهون ، ويسمعون ، ويعقلون.
وخامسها : أنّ هذه الآية وردت في معرض الذّمّ على ترك الإيمان ، وإذا كان هذا الصّدّ ، والمنع من قبل الله ـ تعالى ـ لما كانوا مذمومين ، بل كانوا معذورين.
وسادسها : أن قوله : (حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ) يدلّ على أنهم كانوا يفقهون ، ويميّزون الحقّ من الباطل ، وعند هذا فلا بدّ من التأويل وهو من وجوه :
الأول : قال الجبّائيّ (٣) : إنّ القوم كانوا يستمعون قراءة الرسول عليه الصلاة والسلام ، ليتوصّلوا بسماع قراءته إلى معرفة مكانه بالليل ، فيقصدوا قتله وإيذاءه ، فكان الله ـ تبارك وتعالى ـ يلقي في قلوبهم النوم وهو المراد من الأكنّة ، ويثقل أسماعهم عن استماع تلك القراءة بسبب ذلك النّوم ، وهو المراد من قوله : (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً).
__________________
(١) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٦ / ٢٦١) عن ابن عباس.
(٢) ينظر : الرازي ١٢ / ١٥٤.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١٢ / ١٥٤.