قوله : (وَإِنْ يُهْلِكُونَ) «إن» نافية كالتي في قوله : (إِنْ هذا) [الأنعام : ٢٥] و «أنفسهم» مفعول ، وهو استثناء مفرّغ ، ومفعول «يشعرون» محذوف : إمّا اقتصارا ، وإمّا اختصارا ، أي : وما يشعرون أنهم يهلكون أنفسهم بتماديهم في الكفر وغلوّهم فيه ، قاله ابن عباس(١).
قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(٢٧)
لمّا بيّن أنهم يهلكون أنفسهم شرح كيفيّة ذلك الهلاك فقال : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) ، وجواب «لو» محذوف لفهم المعنى ، والتقدير : «لرأيت شيئا عظيما وهولا مفظعا» (٢).
وحذف الجواب كثير في التّنزيل ، وفي النظم كقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً) [الرعد : ٣١].
وقول الآخر [في ذلك :](٣) [الطويل]
٢١٣٥ ـ وجدّك لو شيء أتانا رسوله |
|
سواك ولكن لم نجد لك مدفعا (٤) |
وقوله : [الطويل]
٢١٣٦ ـ فلو أنّها نفس تموت جميعة |
|
ولكنّها نفس تساقط أنفسا (٥) |
وقول الآخر فأجاد : [الكامل]
٢١٣٧ ـ كذب العواذل لو رأين مناخا |
|
بحزيز رامة والمطيّ سوامي (٦) |
وحذف الجواب أبلغ [قالوا :](٧) لأن السّامع تذهب نفسه كل مذهب ، ولو صرّح له بالجواب وطّن نفسه عليه فلم يحسن منه كثيرا ، ولذلك قال كثير في ذلك : [الطويل]
٢١٣٨ ـ فقلت لها يا عزّ كلّ مصيبة |
|
إذا وطّنت يوما لها النّفس ذلّت (٨) |
وقوله : «ترى» يجوز أن تكون بصرية ، ومفعولها محذوف ، أي : ولو ترى حالهم ،
__________________
(١) ينظر : الرازي ١٢ / ١٥٧.
(٢) في ب : منقطعا.
(٣) سقط في ب.
(٤) تقدم.
(٥) البيت لامرىء القيس في ديوانه ص (١٠٧) ، سر صناعة الإعراب ٢ / ٦٤٨ ، شرح المفصل ٩ / ٨ ، لسان العرب (جمع). ابن يعيش ٩ / ٨ ، العمدة لابن رشيق ١ / ٢٥١ ، الدر المصون ٣ / ٣٦.
(٦) البت لجرير في ديوانه ص (٩٩١) ، سر صناعة الإعراب ٢ / ٦٤٨ ، شرح المفصل ٩ / ٨. الدر المصون ٣ / ٣٦.
(٧) سقط في ب.
(٨) ينظر : ديوانه ص (٩٧) ، معجم الشعراء (٢٤٣) الكامل ١ / ٣٢٤ ، الإنصاف ٢ / ٤٦٢ ، التهذيب (وطن) ، اللسان (وطن).