موصوفا بهذه الصفة ولما كان لفظ «الله» من باب أسماء الأعلام لا جرم كان الأمر على ما ذكرناه.
السؤال الثاني : لم قدّم «السّماء» على «الأرض» مع أنّ ظاهر التنزيل (١) يدلّ على أنّ خلق الأرض مقدّم على خلق السماء.
فالجواب : أنّ السّماء كالدّائرة ، والأرض كالمركز ، وحصول الدّائرة يوجب تعيين المركز ، ولا ينعكس ، فإنّ حصول المركز لا يوجب تعيين الدّائرة لإمكان أن يحيط بالمركز الواحد دوائر لا نهاية لها ، فلمّا تقدّمت السماء على الأرض بهذا الاعتبار ، وجب تقديم ذكر السماء على الأرض ، وعلى قول من قال : إنّ السماوات مخلوقة قبل الأرض ، وهو قول قتادة ، فالسّؤال زائد.
السؤال الثالث : لم ذكر السماء بصيغة الجمع ، والأرض بصيغة الواحد ، مع أنّ الأرضين
أيضا كثيرة لقوله : (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) [الطلاق : ١٢]؟.
فالجواب : أنّ السّماء جارية مجرى الفاعل ، والأرض مجرى القابل ، فلو كانت السّماء واحدة لتشابه الأمر ، وذلك يخلّ بمصالح هذا العالم ، فإذا كانت كثيرة اختلفت الاتّصالات الكوكبيّة ، فحصل بسببها الفصول الأربعة ، وسائر الأحوال المختلفة ، وحصل بسبب تلك الاختلافات مصالح [هذا](٢) العالم.
أمّا الأرض فهي قابلة للأثر ، والقابل الواحد كاف في القبول (٣).
قوله (٤) : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ).
«جعل» هنا تتعدّى لمفعول واحد ؛ لأنها بمعنى «خلق» ، هكذا عبارة النحويين ، ظاهرها أنهما مترادفان ، إلّا أنّ الزّمخشريّ فرّق بينهما فقال (٥) : «والفرق بين الخلق والجعل أنّ الخلق فيه معنى التقدير ، وفي الجعل معنى التّصيير كإنشاء شيء من شيء أو تصيير شيء شيئا ، أو نقله من مكان إلى مكان ، ومن ذلك (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) [الأعراف : ١٨٩] ، (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) ؛ لأنّ الظّلمات من الأجرام المتكاثفة ، والنّور من النّار».
وقال الطّبريّ (٦) : «جعل» هنا هي التي تتصرّف في طرف الكلام ، كما تقول : «جعلت أفعل كذا».
فكأنه قال : «جعل إظلامها وإنارتها» ، وهذا لا يشبه كلام أهل اللسان (٧) ، ولكونها
__________________
(١) في أ : التأويل.
(٢) سقط في أ.
(٣) ينظر : الرازي ١٢ / ١٢٣.
(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ٣ ، والبحر المحيط ٤ / ٧٣.
(٥) ينظر : الكشاف ٢ / ٣.
(٦) ينظر : الطبري ٥ / ١٤٣ ، والدر المصون ٣ / ٣ ، والبحر المحيط ٤ / ٧٣.
(٧) فى أالبيان.