من المؤمنين في التمني ، أو أستأنفه ويكون قوله : (وَلا نُكَذِّبَ) حينئذ على حاله ، أعني من احتماله العطف على «نردّ» أو الحاليّة ، أو الاستئناف ، ولا يخفى حينئذ دخول كونهم مع المؤمنين في التّمنّي وخروجه منه بما تقدّم تقريره.
وقرىء شاذّا عكس (١) قراءة ابن عامر ، أي : بنصب «نكذب» ، ورفع «نكون» ، وتخريجها على ما تقدّم إلّا أنها يضعف فيها جعل (وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) حالا لكونه مضارعا مثبتا إلا بتأويل بعيد ، كقوله : [المتقارب]
٢١٤١ ـ .......... |
|
نجوت وأرهنهم مالكا (٢) |
أي : وأنا أرهنهم (٣) ، وقولهم : «قمت وأصكّ عينه» ، ويدلّ على حذف هذا المبتدأ قراءة أبيّ (٤) : «ونحن نكون من المؤمنين».
فصل في تحرير معنى الرد
معنى الآية الكريمة : أنهم تمنّوا الرّدّ إلى حالة التكليف ، لأن لفظ «الرّدّ» إذا استعمل في المستقبل من حال إلى حال ، فالمعهود منه الرّدّ إلى الحالة الأولى ، فإن الظّاهر أنّ من صدر عنه تقصير ، ثمّ عاين الشّدائد والأهوال من ذلك التقصير أنه يتمنى الرّدّ إلى الحالة الأولى ؛ ليسعى في إزالة جميع وجوه التقصيرات ومعلوم أن الكفّار قصّروا في دار الدنيا ، فهم يتمنّون العود إلى الدنيا لتدارك تلك التّقصيرات ، وذلك التدارك (٥) لا يحصل بالعود إلى الدنيا فقط ولا بترك التكذيب فقط ، ولا بعمل الإيمان ، بل إنّما يحصل التدارك بمجموع هذه الأمور الثلاثة ، فوجب إدخال هذه الثلاثة تحت التمني.
فإن قيل : كيف يحسن منهم تمني الرد مع أنهم يعلمون أنّ الرّدّ لا يحصل ألبتّة؟
والجواب من وجهين :
أحدهما : لعلهم [لم](٦) يعلموا أن الرّد لا يحصل [ألبتة](٧)؟
والثاني : أنهم وإن علموا أن ذلك لا يحصل إلّا أن هذا العلم لا يمنع من حصول إرادة الرّدّ ، كقوله تبارك وتعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها) [المائدة : ٣٧] وقوله تعالى : (أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) [الأعراف : ٥٠] فلمّا صحّ أن يريدوا هذه الأشياء مع العلم بأنها لا تحصل ، فبأن يتمنونه أقرب ، لأن باب التمني أوسع.
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ٤٠ ، البحر المحيط ٤ / ١٠٧.
(٢) تقدم.
(٣) في ب : ارهبهم.
(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ٤٠.
(٥) في ب : العود.
(٦) سقط في أ.
(٧) سقط في ب.