هذه الأهوال كيف [يمكن](١) أن يقال : إنهم يعودون إلى الكفر والمعصية.
فالجواب : قال القاضي (٢) : تقديره : ولو ردّوا إلى حالة التكليف ، وإنّما يحصل الردّ [إلى](٣) هذه الحالة ، إذا لم يحصل في القيامة معرفة الله بالضرورة ، ولم يحصل هناك مشاهدة الأهوال وعذاب جهنّم ، فهذا الشرط يكون مضمرا لا محالة.
وهذا الجواب ضعيف ؛ لأن المقصود من الآية الكريمة بيان غلوّهم في الإصرار على الكفر ، وعدم رغبتهم في الإيمان ، فلو قدّرنا عدم معرفة الله في القيامة وعدم مشاهدة الأهوال لم يكن إصرارهم على كفرهم الأول مزيد تعجّب ، وإذا لم يكن اعتبار هذا الشّرط الذي ذكره القاضي (٤).
وقال الواحدي (٥) ـ رحمهالله تعالى ـ : هذه الآية الكريمة من أظهر الدلائل على فساد قول المعتزلة ؛ لأن الله ـ تبارك وتعالى ـ بيّن أنهم لو شاهدوا النّار والعذاب ، ثم سألوا الرّجعة وردّوا إلى الدنيا لعادوا إلى الشرك ، وذلك للقضاء السّابق فيهم ، وإلّا فالعاقل لا يرتاب فيما شاهد.
قال القرطبي : وقد عاين إبليس ما عاين من آيات الله تبارك وتعالى ثم عاند.
قوله تعالى : (وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ)(٢٩)
قوله : (وَقالُوا) هل هذه الجملة معطوفة على جواب «لو» والتقدير ولو ردّوا لعادوا [ولقالوا](٦) ، أو هي مستأنفة ليس داخلة في خبر ، أو هي معطوفة على قوله : (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) ثلاثة أوجه :
ذكر الزمخشري (٧) الوجهين الأوّل والأخير ، فإنه قال : «وقالوا» عطف على «لعادوا» ، أي : لو ردّوا لكفروا ، ولقالوا : إن هي إلّا حياتنا الدنيا ، كما كانوا يقولون قبل معاينة القيامة ، ويجوز أن يعطف على قوله : (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [على معنى : وإنهم لقوم كاذبون](٨) في كل شيء.
والوجه الأول منقول عن ابن زيد ، إلّا أن ابن عطيّة ردّه فقال : وتوقيف الله ـ تعالى ـ لهم في الآية بعدها فيه دلالة على البعث والإشارة إليه بقوله : (أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ) يردّ على هذا التأويل ، وقد يجاب عن هذا باختلاف حالين : فإنّ إقرارهم بالبعث حقيقة ، إنما هو في الآخرة ، وإنكارهم ذلك إنما هو في الدنيا بتقدير عودهم إلى الدنيا ، فاعترافهم به في الدار الأخرة غير مناف لإنكارهم إيّاه في الدنيا.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) ينظر : الرازي ١٢ / ١٦٠.
(٣) سقط في أ.
(٤) ينظر : الرازي ١٢ / ١٦٠.
(٥) ينظر : المصدر السابق.
(٦) سقط في ب.
(٧) ينظر : الكشاف ٢ / ١٦.
(٨) سقط في ب.