الله ؛ تذكّرت مركزها ؛ فثبت أنّه تعالى إنّما أنزل هذا الكتاب على رسوله ؛ ليكون إنذارا في حقّ طائفة ، وذكرى في حقّ طائفة أخرى.
قوله تعالى : (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) (٣)
لمّا أمر الرّسول بالتّبليغ ، والإنذار ؛ أمر الأمة بمتابعة الرسول.
قوله : «من ربّكم» يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أنه يتعلّق ب «أنزل» وتكون «من» لابتداء الغاية المجازية.
الثاني : أن يتعلّق بمحذوف على أنّه حال : إمّا من الموصول ، وإمّا من عائده القائم مقام الفاعل.
فصل في دحض شبهة لنفاة القياس
استدلّ نفاة القياس بقوله : (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) والمراد به : القرآن والسنّة، واستدلّوا أيضا بها على أن تخصيص عموم القرآن بالقياس لا يجوز (١) ؛ لأنّ عموم القرآن
__________________
(١) قد يرد عن الشارع أمر متعلق بعام ثم يظهر أن بعض أفراد هذا العام يستحق حكما يخالف سائر الأفراد وهذا الحكم معلل بعلة توجد في غيره من الأفراد كأن يقول قائل لمن له أن يأمره «لا تعط من سألك شيئا» فمن عام ينتظم جميع أفراد السائلين أغنياء أو فقراء علماء أو جهلاء ، ثم تلا ذلك أمر آخر يقول «وأعط محمدا لفقره» فلما علمنا العلة وأردنا تعميم محل الإعطاء فهل نقول إنه مأمور بإعطاء كل فقير سواء كان محمدا أو غيره؟ وبعبارة أخرى هل لنا أن نخصص العام الأول بهذا القياس ونقول إنه مراد الناهي بلفظ العام غير الفقراء ويكون المخرج نوعين أحدهما بالنص وهو «محمد» والثاني بالقياس وهو غيره من الفقراء؟.
هذا هو محل النزاع بين الأصوليين.
وكان من أثر اختلاف الأصوليين في دلالة العام اختلافهم في جواز تخصيص العام من الكتاب أو السنة المتواترة بالقياس ، إذا لم يخصصا بدليل مستقل مقارن قطعي الثبوت ، ونذكر هنا أمرا آخر كان سببا من أسباب الخلاف بينهم في جواز التخصيص بالقياس وهو وجود الضعف في القياس الناشىء من احتياجه في الغالب إلى الاجتهاد في أمور : كون حكم الأصل معللا ، وتعيين علته ، ووجودها في الأصل ، ووجودها في الفرع ، وخلوها عن المعارض فيهما ، وكل ذلك بعد معرفة حكم الأصل والأمور الاجتهادية يتطرق إليها احتمال الخطأ ، وهذا بخلاف الخبر فإن محل الاجتهاد فيه ـ إن كان ـ أمران ، عدالة الراوي وكيفية الدلالة. لهذين الأمرين وقع الخلاف بين علماء الأصول في جواز تخصيص العام بالقياس وعدم جوازه وذهبوا فيه مذاهب شتى.
فذهب الأئمة الأربعة والأشعري وأبو هاشم من المعتزلة إلى الجواز إلا أن الذين قالوا بأن دلالة العام في أفراده قطعية شرطوا لذلك أن يكون العام مخصصا بغير القياس بدليل متصل مقارن قطعي الدلالة ـ إن كان العام كذلك.
وذهب أبو علي الجبائي من المعتزلة إلى تقديم العام على القياس مطلقا سواء كان القياس جليا أو خفيا وسواء كان العام مخصوصا أو لا ، ونقله القاضي في التقريب عن الأشعري. ـ