قمت فيما يأتي لم يتقدّم قيامك فيما مضى» ومعلوم أنّ قيامك في المستقبل لم يتقدّم قيامك هذا.
وقال الواحديّ : إن قيل : ما معنى هذا مع استحالة التّقديم على الأجل وقت حضوره؟ وكيف يحسن التقديم مع هذا الأجل؟
قيل : هذا على المقاربة ؛ لأنّ العرب تقول : «جاء الشّتاء» إذا قرب وقته ، ومع مقاربة الأجل يتصور الاستقدام ، وإن كان لا يتصور مع الانقضاء ، والمعنى : لا يستأخرون عن آجالهم إذا انقضت ، ولا يستقدمون عليها إذا قاربت الانقضاء ، وهذا بناء منه على أنّه معطوف على (لا يَسْتَأْخِرُونَ) ، وهو ظاهر أقوال المفسرين.
فصل في المراد ب «الأجل»
في المراد بهذا الأجل قولان :
قال ابن عبّاس والحسن ومقاتل : «المراد به نزول العذاب على كل أمة كذّبت رسولها».
والثاني : أن المراد به الأجل.
قوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(٣٥)
لمّا بيّن أحوال التّكاليف ، وأنّ لكلّ أمّة أجلا معينا ـ بيّن أنّهم بعد الموت إن كانوا مطيعين فلا خوف عليهم ولا حزن ، وإن كانوا متمردين وقعوا في أشدّ العذاب.
قيل : أراد «بني آدم» مشركي العرب ، وقد تقدّم إعراب نظيره في البقرة ، وهي إن الشّرطيّة ضمت إليها مؤكدة لمعنى الشّرط ، ولذلك لزمت فعلها النون الثقيلة ، وجزاء هذا الشرط هو الفاء وما بعده من الشرط ، والجزاء وهو قوله تعالى : (فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ).
و «منكم» صفة ل «رسل» ، وكذلك «يقصّون» وقدّم الجار على الجملة لأنه أقرب إلى المفرد منها.
قال مقاتل : أراد بالرّسل الرّسول ـ عليه الصّلاة والسلام ـ إنما قال : «رسل» ، وإن كان خطابا للرّسول ـ عليه الصّلاة والسلام ـ ، وهو خاتم الأنبياء ؛ لأنه أجرى الكلام على ما يقتضيه سنته في الأمم.
وقيل : أراد جميع الرّسل ، وإنّما قال : «منكم» ؛ لأنّ كون الرسول منهم أقطع لعذرهم ، وأمعن للحجّة عليهم من جهات :
أحدها : أنّ معرفتهم بأحواله وبطهارته تكون متقدمة.
وثانيها : أنّ معرفتهم بما يليق بقدرته تكون متقدّمة فلا جرم لا يقع في المعجزات