النَّاسَ سُكارى) [الحج : ٢] أي : من شدة الخوف ، وأجاب هؤلاء عن هذه الآية الكريمة بأنّ معناها : أن أمرهم يؤول إلى الأمن والسرور ، كقول الطّبيب للمريض : «لا بأس عليك» أي: يؤول أمرك إلى العافية والسلامة ، وإن كان في الوقت في بأس من علته.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(٣٦)
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا ؛) أي الآيات التي يجيء بها الرّسل ـ عليهم الصّلاة والسّلام ـ «واستكبروا» أي أبوا عن قبولها وتكبروا عن الإيمان بها وذكر الاستكبار لأنّ كلّ كاذب وكافر متكبّر قال سبحانه وتعالى : (إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ) [الصافات : ٣٥] ألا (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) وهذه الآية تدل على أنّ الفاسق من أهل الصّلاة لا يخلد في النار ؛ لأنّه تبارك وتعالى بين أن المكذبين بآيات الله والمستكبرين عن قبولها هم الذين يبقون مخلدين في النار.
قوله تعالى : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) (٣٧)
قوله : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) وهذا يرجع إلى قوله تعالى (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا) أي فمن أظلم ظلما ممن يقول على الله ما لم يعلمه أو كذب بما قاله ، والأوّل : هو الحكم بوجود ما لم يوجد.
والثاني : هو الحكم بإنكار ما وجد.
والأول يدخل فيه قول من أثبت الشريك لله تعالى سواء كان ذلك الشريك عبارة عن الأصنام أو الكواكب أو عن مذهب القائلين بيزدان وأهريمن ويدخل فيه قول من أثبت لله تعالى البنات والبنين ويدخل فيه من أضاف الأحكام الباطلة إلى الله عزوجل.
والثاني : يدخل فيه قول من أنكر كون القرآن العظيم كتابا نازلا من عند الله تعالى وقول من أنكر نبوة محمّد صلىاللهعليهوسلم.
قوله : (أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ).
قيل المراد بذلك النّصيب هو العذاب قاله الحسن والسّدّيّ أي : ما كتب لهم في اللّوح المحفوظ من العذاب وسواد الوجوه وزرقة العيون (١) قال عطية عن ابن عباس ـ
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤٧٨) عن الحسن والسدي وأبي صالح.
ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ١٥٣) عن أبي صالح وزاد نسبته لابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.