وقرأ الجمهور : «إذا ادّاركوا» بوصل الألف وتشديد الدّال ، والأصل : تداركوا ، فلما أريد إدغامه فعل به ما فعل ب «ادّارأتم» ، وقد تقدّم تصريفه في البقرة [٧٢].
قال مكيّ (١) : ولا يستطاع اللفظ بوزنها مع ألف الوصل ؛ لأنّك تردّ الزائد أصليا فتقول : افاعلوا ، فتصير تاء «تفاعل» فاء الفعل لإدغامها في فاء الفعل ؛ وذلك لا يجوز ، فإن وزنتها على الأصل فقلت : تفاعلوا جاز.
وهذا الذي ذكر من كونه لا يمكن وزنه إلا بالأصل ، وهو «تفاعلوا» ممنوع.
قوله : «لأنّك تردّ الزّائد أصليّا».
قلنا : لا يلزم ذلك ؛ لأنّا نزنه بلفظه مع همزة الوصل ، وتأتي بناء التفاعل بلفظها ، فتقول : وزن ادّاركوا : اتفاعلوا ، فيلفظ بالتاء اعتبارا بأصلها ، لا بما صارت إليه حال الإدغام.
وهذه المسألة نصّوا على نظيرها ، وهو أنّ تاء الافتعال إذا أبدلت إلى حرف مجانس لما قبلها كما تبدل تاء طاء ، أو دالا في نحو : اصطبر ، واضطرب ، وازدجر ، وادّكر ، إذا وزن ما هي فيه قالوا : يلفظ في الوزن بأصل تاء الافتعال ، ولا يلفظ بما صارت إليه من طاء أو دال ، فتقول : وزن اصطبر افتعل لا افطعل ، ووزن ازدجر افتعل لا افدعل ، فكذلك تقول هنا : وزن ادّاركوا اتفاعلوا لا افّاعلوا ، فلا فرق بين تاء الافتعال والتّفاعل في ذلك.
وقرأ ابن مسعود (٢) والأعمش ، ورويت عن أبي عمرو : تداركوا وهي أصل قراءة العامة.
وقرأ أبو عمرو (٣) «إذا إدّاركوا» بقطع همزة الوصل.
قال ابن جني (٤) : «هذا مشكل ، ومثل ذلك لا ينقله ارتجالا ، وكأنّه وقف وقفة مستنكر ، ثم ابتدأ فقطع».
وهذا الذي يعتقد من أبي عمرو ، وإلا فكيف يقرأ بما لا يثبت إلا في ضرورة الشّعر في الأسماء؟ كذا قال ابن جنيّ ، يعني أن قطع ألف الوصل في الضّرورة إنّما جاء في الأسماء.
وقرأ حميد (٥) «أدركوا» بضم همزة القطع ، وسكون الدّال وكسر الراء ، مثل «أخرجوا» جعله مبنيا للمفعول بمعنى : أدخلوا في دركاتها أو أدراكها.
ونقل عن مجاهد بن جبر قراءتان : فروى عنه مكي «ادّركوا» بوصل الألف وفتح الدال مشدّدة وفتح الراء ، وأصلها «ادتركوا» على افتعلوا مبنيا للفاعل ، ثم أدغم ، كما أدغم «ادّان» من الدّين.
__________________
(١) ينظر : المشكل ١ / ٣١٥.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٩٩ ، والبحر المحيط ٤ / ٢٩٨ ، والدر المصون ٣ / ٢٦٧.
(٣) ينظر : القراءة السابقة.
(٤) ينظر : المحتسب لابن جني ١ / ٢٤٧.
(٥) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٩٩ ، والبحر المحيط ٤ / ٢٩٨ ، والدر المصون ٣ / ٢٦٧.