لأهل الدّنيا أي : ولكن لا تعلمون ما أعدّ من العذاب لكل فريق.
وقرأ أبو بكر (١) عن عاصم بالغيبة ، وهي تحتمل أن يكون الضّمير عائدا على الطائفة السّائلة تضعيف العذاب ، أو على الطّائفتين ، أي : لا يعلمون قدر ما أعدّ لهم من العذاب.
فإن قيل : إن كان المراد من قوله : لكلّ أحد من العذاب ضعف ما يستحقه ، فذلك غير جائز ؛ لأنّه ظلم ، وإن لم يكن المراد ذلك فما معنى كونه ضعفا (٢)؟.
فالجواب : أنّ عذاب الكفّار يزيد فكل ألم يحصل فإنّه يعقبه حصول ألم آخر إلى غير نهاية ، فكانت تلك الآلام متضاعفة متزايدة لا إلى آخر.
قوله تعالى : (وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ)(٣٩)
قوله : (وَقالَتْ أُولاهُمْ) أي في ترك الكفر والضّلال وإنّا متشاركون في استحقاق العذاب.
فإن قيل : إن هذا منهم كذب ؛ لأنّهم لكونهم رؤساء سادة وقادة ، قد دعوا إلى الكفر والتّرغيب فيه ، فكانوا ضالّين مضلّين ، وأمّا الأتباع والضّعفاء وإن كانوا ضالين إلّا أنّهم ما كانوا مضلّين ، فبطل قولهم : إنّه لا فضل للأتباع على الرّؤساء في ترك الضّلال والكفر (٣).
فالجواب : أنّ أقصى ما في الباب أنّهم كذبوا في هذا القول يوم القيامة ، وعندنا أنّ ذلك جائز كما قرّرناه في سورة الأنعام في قوله : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣].
قوله : «فما» : هذه الفاء عاطفة هذه الجملة المنفيّة على قول الله تعالى للسّفلة : «لكلّ ضعف» أي : فقد ثبت أنّ لا فضل لكم علينا ، وأنا متساوون في استحقاق الضّعف فذوقوا.
قال أبو حيّان (٤) ـ بعد أن حكى بعض كلام الزّمخشري (٥) ـ : والذي يظهر أنّ المعنى انتفاء كون فضل عليهم من السّفلة في الدّنيا بسبب اتباعهم إيّاهم ، وموافقتهم لهم في الكفر أي : اتّباعكم إيّانا ، وعدم اتّباعكم سواء ؛ لأنّكم كنتم في الدّنيا عندنا أقلّ من أن يكون لكم علينا فضل باتّباعكم ، بل كفرتم اختيارا ، لا أنّا حملناكم على الكفر إجبارا ، وأنّ قوله : «فما كان» جملة معطوفة على جملة محذوفة بعد القول دلّ عليها ما سبق من
__________________
(١) ينظر : السبعة ٢٨٠ ، والحجة ٤ / ١٧ ، وحجة القراءات ٢٨١ ، وإعراب القراءات ١ / ١٨١ ، والعنوان ٩٥ ، وشرح الطيبة ٤ / ٢٩٤ ، وشرح شعلة ٣٨٨ ، وإتحاف ٢ / ٤٨.
(٢) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٦٢.
(٣) ينظر : الرازي ١٤ / ٦٢.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٩٩.
(٥) ينظر : الكشاف ٢ / ١٠٣.