الكلام ، والتّقدير : قالت أولاهم لأخراهم : ما دعاؤكم الله أنّا أضللناكم وسؤالكم ما سألتم ، فما كان لكم علينا من فضل بضلالكم ، وأنّ قوله : «فذوقوا» من كلام الأولى خطابا للأخرى على سبيل التشفّي ، وأن ذوق العذاب هو بسبب ما كسبتم لا بأنّا أضللناكم.
وقيل : فذوقوا من خطاب الله لهم.
و «بما» «الباء» سببية ، و «ما» مصدرية ، أو بمعنى «الّذي» ، والعائد محذوف أي : تكسبونه.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) (٤٠)
هذا من تمام وعيد الكفّار فقوله : (كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي بالدّلائل الدّالة التي هي أصول الدّين فالدهرية (١) ينكرون دلائل إثبات الذّات والصّفات ، والمشركون ينكرون دلائل إثبات التوحيد ، ومنكرو النّبوات يكذبون الدلائل الدالة على صحّة النّبوّات ومنكرو نبوة محمد ينكرون الدلائل الدالة على صحة نبوته ، ومنكرو المعاد ينكرون الدّلائل الدّالة على صحّة المعاد فقوله : (كَذَّبُوا بِآياتِنا) يتناول الكلّ ومعنى الاستكبار طلب التّرفّع بالباطل ، وهذا اللّفظ يدلّ على الذم في حقّ البشر.
قوله : «لا تفتّح».
قرأ أبو عمر (٢) : «لا تفتح» بضمّ التّاء من فوق والتّخفيف والأخوان بالياء من تحت والتخفيف أيضا ، والباقون : بالتّأنيث والتشديد.
فالتّأنيث والتّذكير باعتبار الجمع والجماعة ، والتّخفيف والتضعيف باعتبار التكثير وعدمه ، والتضعيف هنا أوضح لكثرة المتعلق ، وهو في هذه القراءات مبني للمفعول.
وقرأ أبو حيوة (٣) ، وأبو البرهسم [«تفتّح»] بفتح التّاء من فوق والتضعيف ، والأصل : لا تتفتح بتاءين فحذفت إحداهما ، وقد تقدّم في (تَذَكَّرُونَ) [الأنعام : ١٥٢] ونحوه ، ف «أبواب» على قراءة أبي حيوة فاعل ، وعلى ما تقدّم مفعول لم يسمّ فاعله.
وقرىء : «لا تفتح» بالتاء ، ونصب «الأبواب» على أن الفعل للآيات وبالياء على أن الفعل لله ذكره الزمخشريّ.
__________________
(١) في أ : فالدهريون.
(٢) ينظر : السبعة ٢٨٠ ، والحجة ٤ / ١٨ ، وحجة القراءات ٢٨٢ ، وإعراب القراءات ١ / ١٨٠ ، والعنوان ٩٥ ، وشرح الطيبة ٤ / ٢٩٤ ، وشرح شعلة ٣٨٨ ، وإتحاف ٢ / ٤٨.
(٣) وقع في المحرر الوجيز ٢ / ٤٠٠ أن قراءة أبي حيوة : «يفتّح» بالياء وفتح الفاء وشد التاء ، والمثبت عند المصنف كما في البحر ٤ / ٢٩٩ ، والدر المصون ٣ / ٢٦٩.