فصل في شرب المؤمنين من ساق الشجرة
قال السّدّيّ في هذه الآية : إنّ أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان فيشربوا من أحديهما ، فينزع ما في صدورهم من غلّ ، وهو الشّراب الطّهور ، ويغتسلوا من الأخرى ، فجرت عليهم نضرة النّعيم فلم يشقوا ، ولم يسجنوا بعدها أبدا (١).
(وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) أي : إلى هذا يعني طريق الجنة.
وقال سفيان الثّوريّ : «معناه هدانا لعمل هذا ثوابه».
قوله تعالى : (وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ) قرأ الجماعة : «وما كنّا» بواو ، وكذلك هي في مصاحف الأمصار غير «الشّام» وفيها وجهان :
أظهرهما : أنّها «واو» الاستئناف ، والجملة بعدها مستأنفة.
والثاني : أنّها حاليّة.
وقرأ ابن عامر (٢) «ما كنا» بدون واو ، [و] الجملة على ما تقدّم من احتمال الاستئناف والحال ، وهي في مصحف الشّاميين كذا ، فقد قرأ كلّ بما في مصحفه.
ووجه قراءة ابن عامر أنّ قوله : (وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) جار مجرى التّفسير لقوله : (هَدانا لِهذا) ، فلما كان أحدهما غير الآخر ؛ وجب حذف الحرف العاطف.
قوله : (لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) «أن» وما في حيزها في محلّ رفع بالابتداء ، والخبر محذوف على ما تقرّر ، وجواب «لو لا» مدلول عليه بقوله : «وما كنّا» تقديره : لو لا هدايته لنا موجودة لشقينا ، أو ما كنا مهتدين.
فصل في الدلالة في الآية
دلّت هذه الآية على أنّ المهتدي من هداه الله ، وإن لم يهده الله لم يهتد. ثم نقول : مذهب المعتزلة (٣) أنّ كلّ ما فعله الله في حقّ الأنبياء ، والأولياء من أنواع الهداية والإرشاد فقد فعله في حقّ جميع الكفّار والفسّاق ، وإنّما حصل الامتياز بين المؤمن والكافر ، والمحقّ والمبطل بسعي نفسه واختيار نفسه ، فكان يجب عليه أن يحمد نفسه ؛ لأنه هو الذي حصل لنفسه الإيمان ، وهو الذي أوصل نفسه إلى درجات الجنان ، وخلّصها من
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٤٩٣) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ١٥٨) وزاد نسبته لابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٢) ينظر : السبعة ٢٨٠ ، والحجة ٤ / ٢٥ ، والعنوان ٩٥ ، وشرح الطيبة ٤ / ٢٩٥ ، وشرح شعلة ٣٨٩ ، وإتحاف ٢ / ٤٩.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٧ د.