فإذا دخل أهل الجنّة الجنّة ، وأهل النّار النّار ، رفعت الجنة لأهل النّار فينظروا إلى منازلهم فيها فيقال لهم : هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله ـ تعالى ـ ثمّ يقال : يا أهل الجنة ، رثوهم بما كنتم تعملون ، فيقسم بين أهل الجنة منازلهم» (١).
فإن قيل : هذه الآية تدلّ على أنّ العبد يدخل الجنّة بعمله ، وقوله ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «لن يدخل أحد الجنة بعمله ، وإنّما يدخلونها برحمة الله» (٢) ، وبينهما تناقض (٣).
فالجواب : أنّ العمل لا يوجب دخول الجنّة لذاته ، وإنّما يوجبه لأن الله بفضله جعله علامة عليه ، وأيضا لمّا كان الموفق للعمل الصّالح هو الله تعالى ـ كان دخول الجنّة في الحقيقة ليس إلّا بفضل الله ـ تعالى ـ.
قوله تعالى : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (٤٤)
لمّا شرح وعيد الكفار وثواب أهل الإيمان أتبعه بذكر المناظرات التي تدور بين الفريقين في هذه الآية.
قوله : «أن قد وجدنا» «أن» يحتمل أن تكون تفسيرية للنّداء ، وأن تكون مخففة من الثّقيلة ، واسمها ضمير الأمر والشّأن ، والجملة بعدها خبرها ، وإذا كان الفعل متصرّفا غير دعاء ، فالأجود الفصل ب «قد» كهذه الآية أو بغيرها. وقد تقدّم تحقيقه في المائدة.
قال الزّمخشريّ (٤) : فإن قلت : هلا قيل : ما وعدكم ربكم ، كما قيل : (ما وَعَدَنا رَبُّنا).
قلت : حذف ذلك تخفيفا لدلالة «وعدنا» عليه.
ولقائل أن يقول : أطلق ليتناول كلّ ما وعد الله من البعث والحساب والعقاب والثواب ، وسائر أحوال القيامة ، لأنّهم كانوا مكذّبين بذلك أجمع ، ولأنّ الموعود كله ممّا ساءهم ، وما نعيم أهل الجنّة إلّا عذاب لهم فأطلق لذلك.
قال شهاب الدّين (٥) : قوله : «ولقائل ... إلى آخره.
هذا الجواب لا يطابق سؤاله ؛ لأنّ المدعي حذف المفعول الأوّل ، وهو ضمير المخاطبين.
والجواب وقع بالمفعول الثّاني الذي هو الحساب والعقاب ، وسائر الأحوال ، [فهذا] إنّما يناسب لو سئل عن حذف المفعول الثاني ، لا المفعول الأول».
__________________
(١) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٧ / ٢٠٩).
(٢) متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه ، أخرجه البخاري في الصحيح ١١ / ٢٩٤ ، كتاب الرقاق : باب القصد والمداومة الحديث (٦٤٦٣) واللفظ له ، وأخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ١٦٩ ، كتاب المنافقين : باب لن يدخل أحد الجنة بعمله الحديث (٧١ / ٨١٦) و (الدلجة) : سير الليل.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٦٨.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ١٠٦.
(٥) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٧٣.