والوجه الرابع : أنها لا محلّ لها من الإعراب ؛ لأنّها جواب سائل سأل عن أصحاب الأعراف ، فقال : ما صنع بهم؟ فقال : لم يدخلوها ، وهم يطمعون في دخولها.
وقال مكي (١) كلاما عجيبا ، وهو أن قال : «إن حملت المعنى على أنّهم دخلوها كان (وَهُمْ يَطْمَعُونَ) ابتداء وخبرا في موضع الحال من الضّمير المرفوع في «يدخلوها» ، معناه : أنّهم يئسوا من الدّخول ، فلم يكن لهم طمع في الدّخول ، لكن دخلوا وهم على يأس من ذلك ، فإن حملت معناه أنّهم لم يدخلوا بعد ، ولكنهم يطمعون في الدّخول برحمة الله كان ابتداء وخبرا مستأنفا».
وقال بعضهم : جملة قوله : «لم يدخلوها» من كلام أصحاب الجنّة ، وجملة قوله : (وَهُمْ يَطْمَعُونَ) من كلام الملائكة.
قال عطاء ابن عباس : «إنّ أصحاب الأعراف ينادون أصحاب الجنة بالسّلام ، فيردّونعليهمالسلام ، فيقول أصحاب اللجنّة للخزنة : ما لأصحابنا على أعراف الجنّة لم يدخلوها؟ فتقول لهم الملائكة جوابا لهم وهم يطمعون» (٢) ، وهذا يبعد صحته عن ابن عباس إذ لا يلائم فصاحة القرآن.
فصل في معنى الآية
قال ابن الخطيب (٣) : معنى الآية أنّه تعالى أخبر أنّ أهل الأعراف ، لم يدخلوا الجنة ، ومع ذلك فهم يطمعون في دخولها.
ثم إن قلنا : إنّ أصحاب الأعراف هم أشراف أهل الجنّة ، فالمعنى : أنه تعالى إنّما جعلهم على الأعراف وأخّر إدخالهم الجنّة ليطلعوا على أهل الجنّة والنّار ، ثم إنّه تعالى ينقلهم إلى الدّرجات العالية كما روي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : «إنّ أهل الدّرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون الكوكب الدريّ في أفق السّماء ، وإنّ أبا بكر وعمر منهم» (٤).
وتحقيق الكلام أن أصحاب الأعراف هم أشراف أهل القيامة فعند وقوف أهل القيامة في الموقف يجلس الله أهل الأعراف في الأعراف وهي المواضع العالية الشريفة ، فإذا أدخل أهل الجنّة الجنة ، وأهل النار النّار نقلهم إلى الدرجات العالية. فهم أبدا لا يجلسون إلا في الدرجات العالية. وإن قلنا : أصحاب الأعراف هم الذين يكونون في
__________________
(١) ينظر : المشكل ١ / ٣١٨.
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره (٥ / ٥٠٣).
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٧٤.
(٤) أخرجه أبو داود ٤ / ٣٤ ، كتاب الحروف والقراءات (٣٩٨٧) والترمذي ٥ / ٥٦٧ ، كتاب المناقب : باب مناقب أبي بكر وعمر (٣٦٥٨) وابن ماجه ١ / ٣٧ ، في المقدمة : باب فضائل أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفيه عطية بن سعد العوفي قال في التقريب ٢ / ٢٤ : صدوق يخطىء كثيرا ، كان شيعيا مدلسا وضعفه في الميزان ٣ / ٧٩.