به ، إذ يصير المعنى : أنّهم نهوا عن الاتّباع في حال قلّة تذكرهم ، وليس ذلك بمراد.
وقرأ ابن عامر (١) : «قليلا ما تذكّرون» بالياء تارة والتّاء أخرى ، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم بتاء واحدة وتخفيف الذال ، والباقون بتاء وتشديد الذّال.
قال الواحديّ (٢) : «تذكّرون» أصله «تتذكّرون» فأدغمت تاء تفعل في الذّال ؛ لأنّ التّاء مهموسة والذّال مجهورة ، والمجهور أزيد صوتا من المهموس ، فحسن إدغام الأنقص في الأزيد ، و «ما» موصولة بالفعل ، وهي معه بمنزلة المصدر فالمعنى : قليلا تذكّركم.
وأمّا قراءة ابن عامر «يتذكّرون» بياء وتاء فوجهها أنّ هذا خطاب للنّبيّ صلىاللهعليهوسلم أي : قليلا ما يتذكرون هؤلاء الّذين ذكّروا بهذا الخطاب.
وأمّا قراءة الأخوين ، وحفص خفيفة الذّال شديدة الكاف ، فقد حذفوا التي أدغمها الأوّلون ، وتقدّم الكلام على ذلك في الأنعام (٣).
قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) (٤)
لمّا أمر الرّسول بالإنذار والتّبليغ وأمر القوم بالقبول والمتابعة ذكر في هذه الآية ما في ترك المتابعة والإعراض عنها من الوعيد.
وفي «كم» وجهان :
أحدهما : أنّها في موضع رفع بالابتداء ، والخبر الجملة بعدها ، و «من قرية» تمييز ، والضمير في «أهلكناها» عائد على معنى «كم» ، وهي هنا خبرية للتّكثير ، والتّقدير : وكثير من القرى أهلكناها.
قال الزّجّاج : و «كم» في موضع رفع بالابتداء أحسن من أن تكون في موضع نصب ؛ لأن قولك : «زيد ضربته» أجود من قولك : «زيدا ضربته» بالنّصب ، والنّصب جيّد عربيّ أيضا لقوله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [القمر : ٤٩] ، ونقل أبو البقاء (٤) عن بعضهم أنه جعل «أهلكناها» صفة ل «قرية» ، والخبر قوله : «فجاءها بأسنا» قال : وهو سهو ؛ لأن «الفاء» تمنع من ذلك.
قال شهاب الدّين (٥) : ولو ادّعى مدّع زيادتها على مذهب الأخفش لم تقبل دعواه ؛ لأن الأخفش إنّما يزيدها عند الاحتياج إلى زيادتها.
__________________
(١) ينظر : السبعة ٢٧٨ ، والحجة ٤ / ٥ ، وفيه : وقرأ ابن عامر : «قليلا ما يتذكرون» بياء وتاء ، وقد روي عنه بتاءين ، وينظر : حجة القراءات ٢٧٩ ، وإعراب القراءات ١ / ١٧٦ ، والعنوان ٩٥ ، وشرح شعلة ٣٨٦ ، وشرح الطيبة ٤ / ٢٩٠ ، وإتحاف ٢ / ٤٤.
(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٤ / ١٧.
(٣) ينظر : تفسير سورة الأنعام آية (١٥٢).
(٤) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦٨.
(٥) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٣٢.