الدّرجة النازلة من أهل النجاة ، فالمعنى أنّه تعالى يجلسهم في الأعراف ، وهم يطمعون في فضل الله وإحسانه أن ينقلهم من تلك المواضع إلى الجنة.
قال الحسن : «الذي جعل الطمع في قلوبهم يوصلهم إلى ما يطمعون» (١).
قوله تعالى : (وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(٤٧)
قوله تعالى : (وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ) معناه : كلما وقعت أبصار أصحاب الأعراف على أهل النّار تضرّعوا إلى الله في ألّا يجعلهم من زمرتهم.
وقرأ الأعمش (٢) : «وإذا قلبت» وهي مخالفة للسواد كقراءة «لم يدخلوها وهم ساخطون» أو وهم طامعون على أن هذه أقرب.
قوله : «تلقاء» منصوب على ظرف المكان.
قال مكيّ (٣) : «وجمعه تلاقيّ».
قال شهاب الدّين : «لأن «تلقاء» وزنه «تفعال» ك «تمثال» وتمثال وبابه يجمع على «تفاعيل» ، فالتقت الياء الزّائدة مع الياء التي هي لام الكلمة ، فأدغمت فصارت «تلاقيّ».
والتلقاء في الأصل ، مصدر ثم جعل دالّا على المكان أي : على جهة اللّقاء والمقابلة.
قال الواحديّ : «التّلقاء جهة اللّقاء ، وهي في الأصل مصدر استعمل ظرفا» ، ونقل الواحديّ بإسناده عن ثعلب عن الكوفيين ، والمبرد عن البصريّين أنّهما قالا : لم يأت من المصادر على «تفعال» بكسر التّاء إلّا لفظتان : التّلقاء ، والتّبيان ، وما عدا ذلك من المصادر فمفتوح نحو : التّرداد والتكرار ، ومن الأسماء مكسور نحو : تمثال وتمساح وتقصار.
وفي قوله : (صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ) فائدة جليلة ، وهو أنّهم لم يلتفتوا إلى جهة النّار [إلا] مجبورين على ذلك لا باختيارهم ؛ لأن مكان الشرّ محذور ، وقد تقدّم خلاف القرّاء في نحو : تلقاء أصحاب» بالنّسبة إلى إسقاط إحدى الهمزتين ، أو إثباتها ، أو تسهيلها في أوائل البقرة [٦ ، ١٣].
و «قالوا» هو جواب «إذا» والعامل فيها.
قوله تعالى : (وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) (٤٨)
لمّا بين بقوله : (وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ) أتبعه أيضا بأن أصحاب
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٠٥) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ١٦٥) وزاد نسبته لعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ١٠٧ ، والبحر المحيط ٤ / ٣٠٥ ، والدر المصون ٣ / ٢٧٦.
(٣) ينظر : المشكل ١ / ٣١٨.