أصحاب الأعراف ـ (الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ) يا أهل النار (لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ) ، ثم قالت الملائكة لأصحاب الأعراف : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) فيدخلون الجنّة.
قوله تعالى : (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ) (٥٠)
قال عطاء عن ابن عباس : «لما صار أصحاب الأعراف إلى الجنّة طمع أهل النّار في الفرج ، فقالوا : يا رب ، إنّ لنا قرابات من أهل الجنّة فأذن لنا حتى نراهم ونكلمهم فأمر الله الجنة فتزحزحت فنظروا إلى قراباتهم في الجنة ، وما هم فيه من النعيم ، فعرفوهم ، ولم يعرفهم أهل الجنة لسواد وجوههم ، فنادى أصحاب النار أصحاب الجنة بأسمائهم ، وأخبروهم بقراباتهم «أن أفيضوا علينا من الماء أو ممّا رزقكم الله» (١).
قوله : «أن أفيضوا» كأحوالها من احتمال التفسير والمصدرية ، و «من الماء» متعلق ب «أفيضوا» على أحد وجهين :
إمّا على حذف مفعول أي : شيئا من الماء ، فهي تبعيضية طلبوا منهم البعض اليسير ، وإمّا على تضمين «أفيضوا» معنى ما يتعدّى ب «من» أي : أنعموا منه بالفيض.
وقوله : «أو ممّا رزقكم» «أو» هنا على بابها من اقتضائها لأحد الشيئين ؛ إمّا تخييرا ، أو إباحة ، أو غير ذلك مما يليق بهما ، وعلى هذا يقال : كيف قيل : حرّمهما فأعيد الضّمير مثنى وكان من حق من يقول : إنّها لأحد الشيئين أن يعود مفردا على ما تقرّر غير مرّة؟
وقد أجابوا بأن المعنى : حرّم كلّا منهما.
وقيل : إن «أو» بمعنى الواو فعود الضمير واضح عليه.
و «ممّا» «ما» يجوز أن تكون موصولة اسميّة ، وهو الظّاهر ، والعائد محذوف أي : أو من الذي رزقكموه الله ، ويجوز أن تكون مصدرية ، وفيه مجازان :
أحدهما : أنّهم طلبوا منهم إفاضة نفس الرزق مبالغة في ذلك.
والثاني : أن يراد بالمصدر اسم المفعول ، كقوله : (كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ) [البقرة: ٦٠] في أحد وجهيه.
وقال الزمخشريّ (٢) : أو ممّا رزقكم الله من غيره من الأشربة لدخوله في حكم الإفاضة».
ويجوز أن يراد : أو ألقوا علينا من ما رزقكم الله من الطعام والفاكهة كقوله : [الرجز]
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٠٩).
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ١٠٨.