استغاثوا بأهل الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو ممّا رزقكم الله (١).
وروى أبو داود «أن سعدا أتى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : أي الصدقة أحب إليك؟ قال : الماء ، فحفر بئرا وقال : هذه لأمّ سعد» (٢).
فصل في أحقية صاحب الحوض بمائه
قال القرطبي : «وقد استدلّ بهذه الآية من قال : إنّ صاحب الحوض والقربة أحقّ بمائه ، وأن له منعه ممن أراده ؛ لأن معنى قول أهل الجنّة : (إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ) لا حق لكم فيها».
قوله تعالى : (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ)(٥١)
قوله : «الّذين» يجوز أن تكون في محل جر ، وهو الظاهر ، نعتا أو بدلا من «الكافرين» ، ويجوز أن تكون رفعا أو نصبا على القطع.
قوله : (اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً) فيه وجهان (٣) :
الأول : أنّهم اعتقدوا فيه أن يلاعبوا فيه ، وما كانوا فيه مجدين.
والثاني : أنّهم اتخذوا اللهو واللّعب دينا لأنفسهم ، وهو ما زين لهم الشيطان من تحريم البحيرة ، وأخواتها ، والمكاء والتصدية حول البيت ، وسائر الخصال الذّميمة التي كانوا يفعلونها في الجاهليّة.
قال ابن عباس : «يريد المستهزئين المقتسمين» (٤).
قوله : (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) عطف على الصّلة ، وهو مجاز ؛ لأنّ الحياة لا تغرّ في الحقيقة ، بل المراد أنّه حصل الغرور عند هذه الحياة الدّنيا ؛ لأنّ الإنسان يطمع في طول العمر ، وحسن العيش ، وكثرة المال ، وقوّة الجاه ، فتشتدّ رغبته في هذه الأشياء ، ويصير محجوبا عن طلب الدين غارقا في طلب الدنيا.
قوله : «فاليوم» منصوب بما بعده.
وقوله «كما» نعت لمصدر محذوف ، أي : ينساهم نسيانا كنسيانهم لقاءه أي بتركهم.
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ١٦٦) عن ابن عباس مرفوعا وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه والبيهقي في «شعب الإيمان».
(٢) أخرجه أحمد (٥ / ٢٨٥ ـ ٦ / ٧) والنسائي (٦ / ٢٥٤ ـ ٢٥٥) وابن ماجه (٣٦٨٤) والبيهقي (٤ / ١٨٥) وابن حبان (٨٥٨ ـ موارد).
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٧٧.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥١٠) عن ابن عباس بمعناه.