الأول : أنّها تدلّ على أنّهم كانوا في حال التّكليف قادرين على الإيمان والتّوبة ، فلذلك سألوا الرّدّ ليؤمنوا ويتوبوا ، ولو كانوا في الدّنيا غير قادرين ـ كما يقوله المجبرة ـ لم يكن لهم في الردّ فائدة ، ولا جاز أن يسألوا ذلك.
الثاني : أنّ الآية تدلّ على بطلان قول المجبرة بأنّ أهل الآخرة مكلفون ، لأنّه لو كان كذلك لما سألوا الرّدّ إلى حال وهم في الوقت على مثلها ، بل كانوا يتوبون ويؤمنون في الحال.
قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ)(٥٤)
قد تقدّم أنّ مدار القرآن على تقرير هذه المسائل الأربع وهي : التّوحيد ، والنبوة ، والمعاد ، والقضاء والقدر ، ولا شك أنّ إثبات المعاد مبنيّ على إثبات التّوحيد والقدرة والعلم ، فلمّا بالغ الله في تقرير المعاد عاد إلى ذكر الدلائل الدالة على التوحيد وكمال القدرة والعلم ، لتصير تلك الدلائل مقررة لأصول التّوحيد ، ومقررّة أيضا لإثبات المعاد.
قوله : «إنّ ربّكم الله» الجمهور على رفع الجلالة خبرا ل «إنّ» ، ويضعف أن تجعل بدلا من اسم «إنّ» على الموضع عند من يرى ذلك ، والموصول خبر ل «إنّ» وكذا لو جعله عطف بيان ، ويتقوّى هذا بنصب الجلالة في قراءة (١) بكار ، فإنّها فيها بدل ، أو بيان لاسم «إنّ» على اللفظ ، ويضعف أن تكون خبرها عند من يرى نصب الجزءين فيها كقوله : [الطويل]
٢٤٧٨ ـ إذا اسودّ جنح اللّيل فلتأت ولتكن |
|
خطاك خفافا إنّ حرّاسنا أسدا (٢) |
وقوله : [الرجز]
٢٤٧٩ ـ إنّ العجوز خبّة جروزا |
|
تأكل كلّ ليلة قفيزا (٣) |
قيل : ويؤيّد ذلك قراءة الرّفع أي : في جعلها إيّاه خبرا ، والموصول نعت لله ، أو بيان له ، أو بدل منه ، أو يجعل خبرا ل «إن» على ما تقدّم من التخاريج ، ويجوز أن يكون معطوفا على المدح رفعا ، أو نصبا.
قوله : «في ستّة» حكى الواحديّ عن الليث (٤) أنّه قال : «الأصل في الستّ والستّة : سدس وسدسة [أبدل السين تاء] ولما كان مخرج الدّال والتّاء قريبا ، وهي ساكنة أدغم أحدهما في الآخر ، واكتفى بالتّاء ، ويدلّ عليه أنّك تقول في تصغير ستة : سديسة ،
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٣٠٩ ، الدر المصون ٣ / ٢٨٠.
(٢) تقدم.
(٣) تقدم.
(٤) ينظر : تفسير الرازي ١٤ / ٨٠.