ومثله : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) [طه : ٥] قالوا : يحتمل أن يعود الضّمير في «استوى» على «الرّحمن» ، وأن يعود على الخلق ، ويكون «الرّحمن» خبرا لمبتدأ محذوف أي : هو الرّحمن.
والعرش : يطلق بإزاء معان كثيرة ، فمنه سرير الملك ، وعليه : (نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) [النمل : ٤١] ، (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) [يوسف : ١٠٠]. ومنه السّلطان والعزّ وعليه قول زهير : [الطويل]
٢٤٨١ ـ تداركتما عبسا وقد ثلّ عرشها |
|
وذبيان إذ زلّت بأقدامها النّعل (١) |
وقول الآخر : [الكامل]
٢٤٨٢ ـ إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم |
|
بربيعة بن الحارث بن شهاب (٢) |
ومنه : خشب تطوى به البئر بعد أن يطوى بالحجارة أسفلها ومنه : ما يلاقي ظهر القدم وفيه الأصابع ، ومنه : السّقف ، وكلّ ما علاك فهو عرش ، فكأنّ المادّة دائرة مع العلوّ والرّفعة ومنه عرش الكرم ، وعرش السّماك أربعة كواكب صغار أسفل من العوّاء يقال إنّها عجز الأسد.
والعرش : اسم ملك والعرش الملك والسّلطان. يقال : قد ذهب عرش فلان أي : ذهب ملكه وعزه وسلطانه قال زهير : [الطويل]
٢٤٨٣ ـ تداركتما عبسا وقد ثلّ عرشها |
|
وذبيان إذ زلّت بأقدامها النّعل (٣) |
وقد تؤوّل العرش في الآية بمعنى الملك أي : ما استوى الملك الإله عزوجل.
فصل في تنزيه الله تعالى
قال القرطبي (٤) : الأكثر من المتقدّمين والمتأخّرين على أنّه إذا وجب تنزيه الباري سبحانه عن الجهة والتّحيّز ، فمن ضرورة ذلك ولوازمه عند عامّة العلماء المتقدّمين ، وقادتهم من المتأخّرين تنزيهه تبارك وتعالى عن الجهة ، فليس بجهة فوق عندهم ؛ لأنّه يلزم من ذلك عندهم متى اختص بجهة أن يكون في مكان وحيّز ، ويلزم على المكان والحيّز الحركة والسّكون ، ويلزم من الحركة والسّكون التّغيّر والحدوث ، هذا قول المتكلّمين وقد كان السّلف الأول ـ رضي الله عنهم ـ لا يقولون بنفي الجهة ، ولا ينطقون بذلك ، بل نطقوا هم والكافّة بإثباتها لله ـ تعالى ـ كما نطق كتابه ، وأخبرت [رسله] ، ولم
__________________
(١) البيت لزهير ينظر : ديوانه ١٠٦ ، الدر المصون ٣ / ٢٨٠.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر : ديوانه ١٠٦ ، والدر المصون ٣ / ٢٨٠.
(٤) ينظر : تفسير القرطبي ٧ / ١٤٠.